تم إرسال طلبك بنجاح
المادة () : المذكرة الإيضاحية للقانون الخاص بإقامة حدي السرقة والحرابة الحمد لله الذي شرع لعباده ما فيه مصلحتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، والصلاة والسلام على رسوله الذي حمل مشعل الهداية لبني الإنسان في كل زمان ومكان، وبعد، فانطلاقا من عزم الثورة الأكيد على الحكم بما أنزل الله وإرساء دعائم الدولة وتشريعاتها على أساس من أحكام الشريعة الغراء، وهو العزم الذي أعلنته الثورة مرارا وأكدته في كل مناسبة، وأفصحت عنه في الإعلان الدستوري، وتردد في دستور اتحاد الجمهوريات العربية، ثم أتبعته الثورة بوضعه موضع التطبيق بإصدار القرار التاريخي الذي جعل الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع وتضمن تشكيل لجان لمراجعة التشريعات وتعديلها بما يتفق مع المبادئ الأساسية في الشريعة الإسلامية. انطلاقا من هذا المنطلق السديد، فقد آلت الثورة على نفسها أن تقبل دعائم النظام الجنائي في الدولة على أساس أحكام الإسلام الحنيف، وتبدأ بتشريعات الحدود التي تمثل القاعدة الأساسية في النظام الجنائي الإسلامي، إذ أن تعطيل هذه الحدود يعتبر خروجا صريحا على أحكام القرآن الكريم وسنة الرسول الكريم، ويتناقض تماما مع كوننا شعبا مسلما نؤمن بديننا أشد الإيمان ونحرص على تعاليمه كل الحرص وسجل تاريخنا بطولات فذة دفاعا عن الدين وجهادا في سبيل الله، وفضلا عن ذلك جميعه، فإن إقامة الحدود الشرعية هي التي تكفل انتظام حياة الناس وأمنهم وتستأصل شأفة الجريمة من جذورها، خاصة بعد أن أخفقت التشريعات الوضعية في محاربة الجريمة ومطاردتها وتضييق الخناق عليها بما نشهده وتتناقله الأنباء والإذاعات من تفشي الإجرام وتطاوله وتعاظمه حتى في أقوى الدول وأعتاها. أن خالق النفس البشرية هو أعلم وأدرى بما ينفعها ويضرها، ولذلك شرع حدود لبعض الجرائم الخطيرة تكفل القضاء عليها أو تضيق الخناق عليها إلى أقصى حد ممكن مستهدفا في ذلك مصلحة الجماعة باعتبار أنها مقدمة على مصلحة الفرد، فلما أعرض الناس عن حدود الله اضطربت موازينهم وشاعت بينهم الجرائم والفتن، ولا خلاص لهم من ذلك إلا بالتزام حدود الله، وصدق الله العظيم إذ يقول "ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه" (1) ومن أهم مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء حفظ الضروريات اللازمة للناس في حياتهم مما يترتب على فقدان أي منها اختلال حياة الناس واضطراب أمورهم، وهي ترجع إلى خمس: الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وقد انتهج الإسلام أسلوبين رئيسين للحفاظ على هذه الضروريات وضمان استمرارها، الأول وينبع من نفس المسلم ذاته والجماعة الإسلامية وذلك بما يغرسه في نفس المسلم من وازع ديني قوي يحمله على الانصراف عن نوازع الشر والإقبال على أسباب الخير له ولغيره من الناس، وبما يرسيه الإسلام في المجتمع الإسلامي من دعائم المحبة والطهر والتضامن والتعاون على الخير، وأما الأسلوب الثاني فهو أسلوب الردع والجزاء لكل من ارتكب جرما من شأنه الإخلال بالضروريات الخمس سالفة الذكر، وهذا الأسلوب الثاني هو الذي يقوم عليه النظام الجنائي الإسلامي، ولذلك شرع الله الحدود والقصاص لحماية هذه الضروريات، فحد الردة يحمي الدين، ونظام القصاص والدية يحمي الأنفس، وحد الشرب يحمي العقل، وحد الزني والقذف يحميان النسل والنفس الإنسانية فيما ينبغي أن يتوفر لها من طهارة وعفة وإحصان، وحد السرقة يحمي الأموال، وحد الحرابة يحمي الأنفس والأموال معا ويقر الأمن بين الناس. خطورة جريمتي السرقة والحرابة: المال عصب الحياة، ولا قيام لأي إنسان أو أسرة إلا بقدر من المال يكفل ضرورات الحياة وحاجاتها، تلك سنة الله في خلقه، وهم من قديم الزمان يعملون ويكدحون في سبيل الرزق الذي يقيم أودهم ويعصمهم من الذل والعوز والحاجة والهوان، ومن هنا كان الدفاع عن المال من طبيعة الإنسان، حتى أنه روى في الحديث أن من مات دون ماله فهو شهيد" بل أن التشريعات الوضعية تجيز الدفاع الشرعي لرد الاعتداء على المال، وهو أيضا ما تقرره الشريعة الإسلامية ويدخل في مفهوم " دفع الصائل" أي دفع المعتدي. وإذا كان هذا هو شأن المال وأهميته، فإن الاعتداء عليه يعتبر جرما خطيرا يتعين دفعه ووقاية المجتمع منه، وما من شك في أن هذا الواجب إنما يقع على الدولة باعتبارها القائمة على مصالح الناس الراعية لشئونهم والإسلام ليس مجرد تعاليم موجهة للأفراد فقط، ولكنه دين ينظم شئون الفرد والأسرة والجماعة والدولة بل والمجتمع الإنساني بأسره، ومن ثم فلم يكتف الإسلام بأن قرر حق كل فرد في الدفاع عن ماله بما يكفل الحفاظ عليه، وإنما شرع العقوبة الكفيلة بحماية هذا المال وصيانته، حتى يعيش الناس مطمئنين على أموالهم فينصرفون إلى شئونهم ويجدون في حياتهم وهو آمنون. ولقد أثبتت الأحداث أن جريمة السرقة هي البذرة الشريرة التي تنبعث منها وتتفرع عليها جرائم الأموال على وجه العموم، فالطمع في مال الغير والاعتداء عليه ينم عن خبث في الطبع وفساد في النفس، ولذلك كانت جرائم الأموال من أبشع الجرائم سواء من حيث أغراضها الخبيثة أم من حيث مضاعفاتها الخطيرة، إن جريمة السرقة تجر في غالب الأحيان إلى الكثير من جرائم الاعتداء على الأشخاص يصل في العديد من الحالات إلى حد قتل السارق أعز الناس لديه في سبيل السرقة فمن سارق يقتل أمه وآخر يقتل آباه وثالث يقتل أخوته وأقرب الناس إليه إلى غير ذلك من صنوف الجرائم البشعة التي تدفع إليها السرقة والرغبة في الاستيلاء على أموال الغير أما خفية وأما كرها وبقوة السلاح، ثم أن متمرسي جرائم الأموال تفننوا فيها وفي طريق ابتزاز الأموال أو اختلاسها خفية بأساليب شتى ووسائل لا تخطر على بال، واقترفوا في سبيلها وعن طريق الأموال التي يسرقونها أفظع الجرائم وأبشع المنكرات، وبسبب جرائم الأموال نشأت في أكبر الدول وأكثرها قوة ممالك عاتية في الإجرام بكل صنوفه وألوانه، مارست كل ضروب الجرائم والدعارة والفسق والمخدرات وغيرها مما تقشعر منها الأبدان، وتجد بذرتها الأولى في جريمة السرقة واستلاب مال الغير. وإزاء خطورة جرائم الأموال، فقد جهد علماء الإجرام والعقاب والقانون أنفسهم في سبيل سن العقوبات التي قدروها كفيلة بمكافحة هذه الجرائم ووقاية المجتمع من أخطارها وتركزت العقوبات التي اشترعوها في الحبس والسجن، والأشغال الشاقة المؤقتة والمؤبدة في الدول التي تأخذ بهذا النوع من العقوبات، ومع ذلك ظلت هذه العقوبات عاجزة خائرة عن صد موجات جرائم الأموال المتتالية العاتية، وازدادت الجرائم عددا واستفحلت نوعا وتنوعت أساليبا وتفرعت وتعددت صورا وأشكالا حتى أن المرء ليدهش أبلغ الدهشة ويمتلكه أشد العجب لتلك الأفانين والأعاجيب التي تتفتق عنها أذهان اللصوص وخبراء سلب الأموال وابتزاز الثروات. بل لقد أسهمت العقوبات الوضعية في ازدياد الأمر سوءا لأن العقوبات السالبة للحرية تعطل الجاني فترة سجنه وتصادر عليه رزقه ورزق أسرته فيتفاقم الأمر عليه، وقد تتحول أسرته ذاتها إلى الإجرام بسبب الفاقه والعوز، وغالبا ما تنخرط في العصابات التي كانت تنتظم رب الأسرة الذي ألقى به في السجن، فضلا عن أن السجون تجمع في الغالب بين المجرم بالتكوين والمجرم العرضي، ومن ثم تسري عدوى الإجرام وتستفحل ويخرج المجرم من السجن وقد ازداد خبرة وحنكة، ومن هنا كان عداة المجرمين ومعتادوا الإجرام هم في الأغلب الأعم من خريجي السجون. ولقد أوضح أحد علماء الإجرام (1) أن الميل إلى السرقة في السارق بالتكوين يميزه ما يأتي: 1- الاقتناع الذاتي بأن السرقة ضرب من النشاط المشروع ككل نشاط آخر. 2- الاقتناع بأن العمل الشريف لا يجدي كوسيلة صالحة لكسب العيش وإرضاء مطالب الحياة. 3- الشعور بالحاجة إلى دخل سهل المنال وافر الكمية لإشباع شهوات ورذائل لا يمكن أن يتيح إشباعها الدخل المستمد من العمل الشريف. 4- الرغبة الشديدة في المخاطرة والمجازفة وهي تفسر كذلك هيام محترفي السرقة بلعب القمار. 5- الشعور بارتياح واستمتاع داخليين يصحبان تنفيذ السرقة. 6- الشعور بالغرور والكبرياء والترفع عن الاستجداء وطلب الإحسان. 7- انعدام الطاقة الاحتمالية للعمل الشريف وعدم الاستعداد الجسماني والنفسي للنهوض به الأمر الذي يدل عليه تقلب في المزاج وزهد في قيود النظام. ثم ذكر المؤلف أن المجرم يشعر بالميل إلى السرقة للحصول على متع مادية، أو غير مادية ولكنها تتطلب المادة كوسيلة للحصول عليها، مثل المتع الجنسية، ومن منبهات الميل إلى السرقة تعاطي الخمر ولو لم يفض إلى السكر والايحاء الذاتي الناشئ من العشرة السيئة والمثل السيئ ومن الصحف ودور العرض. وأضاف المؤلف أن الميل إلى السرقة كما يفضي إلى النوع البسيط منها يؤدي كذلك إلى السرقة بطريق الكسر وإلى السرقة بالإكراه وإلى النصب وغيره من جرائم الاعتداء على المال بصفة عامة، فالسرقة بالإكراه (ومن صورها الحادة الخطيرة الجريمة المسماة في الشريعة الإسلامية بالحرابة أو السرقة الكبرى بحسب تعريفها الذي سوف يرد في موضعه) تكون عادة وليدة الجمع بين غريزة القتال والدفاع وعامل غريزة الاقتناء أما عرضا لاصطدام اللص بعقبات لم يكن يتوقعها أو بمقاومة فجائية من جانب المجني عليه، وأما بخلل مشوبة به غريزة القتال والدفاع إلى جانب ذلك الزي يشوب غريزة الاقتناء، فيتوافر مع الميل إلى السرقة ميل إلى العنف... وأخيرا أشار المؤلف إلى أن مثل هذه الخصال هو الذي يفسر كيف ينتج الميل إلى السرقة أنواعا مختلفة من الاعتداء على المال، فالبعض ينشل والبعض الآخر يسرق بطريق الكسر أو يسرق من الفنادق أو يسرق بالقسر والإكراه أو ينصب. عقوبة السرقة والحرابة في الإسلام: إن شريعة الإسلام تهيئ للمجتمع الإسلامي حياة كريمة يجد فيها كل فرد ما يسد حاجته ويكفي مؤونته ويقيم معاشه على أساس سوي بما يغنيه عن العوز والطمع في مال الغير، ودين الإسلام يحض على أن كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، ويطلب من المسلم الذب عن مال أخيه والحرص عليه كما يحرص على مال نفسه، فإذا شنت نفس عن هذا الصراط السوي وأنفلتت من سياج الحق إلى متاهات الشر والضلال ولم يفلح معها نصح ولا إرشاد ولا كلمات الله التي تضئ الكون في كل وقت وحين، حق عليها جزاء أليم في الحياة الدنيا ليكون ذلك نكالا وزجرا وردعا، وعذاب شديد في الآخرة إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فإن الله تواب رحيم. وذلك واجهت الشريعة الإسلامية جريمتي السرقة والحرابة بعقوبتين رادعتين فعالتين، تكفلان استئصال شأفتهما من جذورهما وردع كل من تسول له نفسه العدوان على مال أخيه خفية أو كرها، أو إقلاق أمن الناس وإفزاعهم والسعي في الأرض بالشر والفساد، فكان حد السرقة هو قطع اليد اليمنى متى توافرت شرائط إقامة الحد وانتفت الشبهات التي قدرؤه، وكان حد الحرابة هو القتل إذا نجم عن الحرابة القتل سواء كان ذلك مصحوبا بالاستيلاء على المال أم لم يكن مصحوبا بذلك، وقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى إذا نجم عن الحرابة الاستيلاء على المال دون قتل، والسجن إذا كانت الحرابة لمجرد إخافة الناس وقطع الطريق. وتجدر الإشارة إلى أنه في صور السرقة والحرابة التي لا تتوافر فيها شروط الحد، فإن الشريعة الإسلامية تعاقب عليها تعزيرا بالعقوبة التي يراها الإمام مناسبة، وإنما اختصت الشريعة صورتي السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا لخطورة الإجرام فيهما. ولقد يحلو لبعض المرتابين والمتشككين أن يصفوا عقوبة القطع بأنها لا تتفق مع المدنية والتقدم، ويرمونها بالعنف والغلطة، وهؤلاء يركزون النظر على شدة العقوبة ويتناسون فظاعة الجريمة وآثارها الخطيرة على المجتمع، أنهم يتباكون على يد سارق أثيم تقطع ولا تهولهم جريمة السرقة ومضاعفاتها الخطيرة، كم من جرائم قتل ارتكبت في سبيل السرقة، كم من جرائم اعتداء على الأشخاص وإحداث عاهات جسام وقعت على الأبرياء بسبب السرقة، كم من أموال اغتصبت وثروات سلبت وأناس تشردوا بسبب السطو على أموالهم ومصدر رزقهم، كل ذلك لا يخطر ببال المشفقين على أيد قليلة تقطع في سبيل أمن المجموع واستقراره، ألا يتساءل هؤلاء، أيهما أهون على المجتمع: أن تقطع يد أو يدان في كل عام تكاد تختفي السرقة بعد ذلك ولا تكاد تقطع يد ويعيش الناس مطمئنين على أموالهم وأنفسهم، أم يحبس ويسجن ويحكم بالأشغال الشاقة المؤقتة والمؤبدة في جريمة السرقة وحدها، في أغلب الدول عشرات الآلاف كل عام، ثم لا تنقضي السرقة، بل تزداد وتتنوع وتستفحل، فمنازلنا نسمع عن مصارف بأسرها تسرق، وقطارات تنهب في وضح النهار، وخزائن تسلب، وجرائم على الأموال تصحبها جرائم على الأشخاص والأعراض لا تقع تحت حصر، ولا يكاد يلاحقها علم ولا فن ولا سلطة. ثم أن الجرائم الخطيرة لا يفلح في صدها ومقاومة أخطارها إلا عقوبات شديدة فعالة، فإسم العقوبة مشتق من العقاب ولا يكون العقاب عقابا إذا كان موسوما بالرخاوة والضعف والعقاب الناجح هو ذلك الذي ينتصر على الجريمة وليس ذلك الذي تنتصر عليه الجريمة، ثم أن المشرعين الوضعيين لم يستغلظوا عقوبة الإعدام بالنسبة إلى بعض الجرائم الخطيرة، وما من شك في أن هذه العقوبة أشد من عقوبة القطع في السرقة والحرابة، فالعبرة إذن بالعقوبة المناسبة والفعالة في مقاومة الجريمة. والحقيقة التي لا مراء فيها أن قطع يد سارق أو عدد محدود من السراق أهون كثيرا من ترك السرقة ترتع في المجتمع تروع الآمنين بما تفضي إليه من العديد من الجرائم والمنكرات، فعقوبة القطع قصد بها ترويع السراق فيفكرون مرارا قبل الإقدام على جريمتهم، فالسارق حينما يفكر في السرقة إنما يبتغي زيادة كسبه عن طريق مال غيره، فهو لا يكتفي بما آتاه الله من الحلال ويريد أن ينميه من الحرام، وهو يفعل ذلك ليزيد من قدرته على الإنفاق أو لكي لا يتحمل عناء الكد والعمل، وقد حاربت الشريعة هذه الدوافع بتقرير عقوبة القطع، لأن قطع اليد يؤدي إلى نقص الكسب، ونقص الكسب يؤدي إلى نقص الثراء، وبذلك تكون الشريعة الغراء قد حاربت الدوافع النفسية التي تدعو لارتكاب الجريمة بعوامل نفسية مضادة تصرف عن جريمة السرقة فإذا ساورت الشخص العوامل النفسية الشريرة الداعية إلى ارتكاب السرقة برزت إلى الذهن شدة عقوبة السرقة والمرارة التي تصيبه منها مما يحدوه إلى مقاومة هذه النزعات الشريرة فتصرفه عنها. فالعقوبة فيها من الترويع ما يصرف عن ارتكاب الجريمة أو يحد منها إلى حد كبير، وأن ذلك قد يتحقق بإعلان العقوبة وثبوت التطبيق ولو في أيد محدودة. وقد أثبت التاريخ أن المجتمع الإسلامي عندما طبق الحدود عاش آمنا مطمئنا على أمواله وأعراضه ونظامه، حتى أن المجرم نفسه كان يسعى لإقامة الحد عليه رغبة في تطهير نفسه والتكفير عن ذنبه. وعندما تهاون المجتمع الإسلامي في تطبيق الحدود وانساق مع تشريعات الغرب وبهره زخرفها الزائف تسرب إليه الفساد وشاع فيه الإجرام وكاد يلحق بدول الغرب في التفنن في أساليب الجريمة وخباياها، ويروي في التاريخ أن هشام بن عبد الملك عطل حد السرقة سنة، فتضاعفت حوادثها وصار الناس غير آمنين على أنفسهم ولا أموالهم من الغضب والنهب وظهر اللصوص في البوادي والحواضر، فلما تفاقم الأمر، واضطربت الأحوال أعاد العقوبة كما شرعها الله تعالي، فكان الإعلام بالإعادة وحده كافيا لصون الحقوق وحفظ الأموال والنفوس. وما لنا نذهب بعيدا وفي عصرنا الراهن مثل حي يوضح مدى فاعلية تطبيق حدي السرقة والحرابة، فقد كانت الحجاز مرتعا خصبا لأشنع جرائم السرقة وقطع الطريق حتى علي حجاج بيت الله الحرام رجالا ونساء فلم يكن يعود إلى بلده منهم إلا النذر اليسير، ولقد أوجب الفقهاء المتأخرون لذلك على كل من يخرج للحج أن يكتب وصيته قبل أن يغادر بلده. وأجبت الدول الإسلامية كمصر وسوريا على الحجاج أن يخرجوا في جماعات صحبة فرقة من الجيش مزودة بجميع أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة يتولى إمارتها أمير للحج من كبار الضباط، فما أن طبقت الحجاز هذين الحدين حتى استتب الأمن وانقطعت السرقات وانهارت عصابات قطع الطريق، حتى أصبحت البلاد مضرب المثل المستغرب في انقطاع دابر جريمتي السرقة وقطع الطريق رغم أن ما قطع من الأيادي منذ تطبيق الحدود لا يمثل إلا عددا ضئيلا جدا لا يوازي ما كان يقطعه قطاع الطريق من رقاب الأبرياء في هجمة واحدة ويذكر أن عدد الأيدي التي قطعت في المملكة العربية السعودية ستة عشر يدا خلال أربعة وعشرين عاما وهذا مثل سقناه للتدليل على فاعلية حد السرقة، وأنها لآية الله في هذا العصر يجليها لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. كل ذلك يبرز مدى فاعلية عقوبة القطع، فمجرد إعلانها يكفي في الردع والصد عن الجريمة في غالب الأحوال، ومن ثم فهي عقوبة تتسم بطبيعة مانعة، أي أنها في ذاتها مانعة للجريمة، والواقع أن هذه هي سمة الحدود جميعا، فالحد لغة هو المنع، ولذلك عرف بعض فقهاء الشريعة الحدود بأنها موانع قبل الفعل زواجر بعده، أي العلم بشرعيتها يمنع الإقدام على الفعل وإيقاعها بعده يمنع من العود إليه (شرح فتح القدير لابن الهمام - الجزء الرابع طبعة الأميرية ص 112). بل أن صفة المنع في عقوبة القطع جلاها ما ذكر في تفسير آية السرقة (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله، والله عزيز حكيم) من أن النكال معناه المنع، فكانت العقوبة منعا للغير من الارتكاب وقد جاء في مفردات الراغب الأصفهاني في تفسير معنى كلمة "نكال" يقال نكل عن الشيء ضعف وعجز، ونكلته قيدته، والنكل قيد الدابة.. ونكلت به إذا فعلت ما ينكل به غيره (أي يمنع غيره من أن يفعل فعله). ولقد جلى أحد فقهاء الإسلام العظام، وهو الفقيه الكبير ابن القيم، الحكمة من حدي السرقة والحرابة، فذكر في كتابه (أعلام الموقعين عن رب العالمين الجزء الثاني - مكتبة الكليات الأزهرية ص 114 ،115، 126) أن من بعض حكمته سبحانه ورحمته أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض، في النفوس والأبدان والأعراض والأموال، كالقتل والجرح والقذف والسرقة، فاحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الأحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع.... وأن في حد السرقة معنى آخر، وهو أن السرقة تقع من فاعلها سرا كما يقتضيه اسمها، والعازم على السرقة مختف كاتم خائف أن يشعر بمكانه فيؤخذ به، ثم هو مستعد للهرب والخلاص بنفسه إذا أخذ الشيء، واليدان للإنسان كالجناحين للطائر في إعانته على الطيران، فعوقب السارق بقطع اليد قصا لجناحه، وتسهيلا لأخذه إن عاود السرقة.....وعقوبة السارق بالقطع أبلغ وأردع من عقوبته بالجلد، ولم تبلغ جنايته حد العقوبة بالقتل فكان أليق العقوبات به إبانة العضو الذي جعله وسيلة إلى أذى الناس، وأخذ أموالهم، ولما كان ضرر المحارب أشد من ضرر السارق وعدوانه أعظم ضم إلى قطع يده قطع رجله ليكف عدوانه وشر يده التي بطش بها، ورجله التي سعى بها ،وشرع أن يكون ذلك من خلاف لئلا يفوت عليه منفعة الشق بكماله، فكف ضرره وعدوانه، ورحمة بأن أبقى له يدا من شق ورجلا من شق. ومما تقدم جميعه يتضح أن القسوة التي تتسم بها عقوبة القطع في السرقة والحرابة، هي في واقع الأمر رحمة عامة بالمجتمع في مجموعه حتى يتخلص من شرور هاتين الجريمتين وأخطارهما الوبيلة، فإن التضحية بعدد محدود جدا من الأيدي والأرجل بالنسبة لأناس آثمين خارجين على حكم الله، أهون كثيرا من ترك الجريمة تفتك بآلاف الأبرياء في أرواحهم وأبدانهم وثرواتهم، بل أن شدة العقوبة ذاتها رحمة بمن توسوس لهم أنفسهم بالإجرام حيث تمنعهم تلك الشدة من الإقدام على الجريمة فتحول بينهم وبين التردي في مهاوي الإجرام فهي شدة في نطاق ضيق محدود، تفضي إلى رحمة واسعة شاملة بالنسبة إلى المجتمع الواسع العريض، كيف لا وشريعة الإسلام هي شريعة الرحمة، أليس الله هو القائل" كتب ربكم على نفسه الرحمة" وهو الرحمن الرحيم حيث نذكر الله في كل وقت وحين. والرسوم يقول" الراحمون يرحمهم الرحمن" بل أمرنا بالشفقة على الحيوان وشريعة هذا شأنها لا يمكن أن تحمل أحكامها في الحدود على محمل الشدة والقسوة، وإنما هي رحمة بالناس في مجموعهم والنظر إلى أثر الحدود على القلة التي تتعرض لها دون نظر إلى أثرها في المجتمع ككل، هو نظر مقلوب ومعكوس ويكاد أن يكون نظرا مغرضا ومريبا، لأن العبرة بمصلحة الناس في مجموعهم وليست بمصلحة مجرمين ثبت جرمهم ولم يدرأ عنهم الحد شبهة. ومع ذلك فلا يغرب عن البال أن الإسلام حريص كل الحرص على ألا يقام الحد إلا حين يتبين على وجه اليقين ثبوت ارتكاب الجرم، وذلك بتشدده في وسائل الإثبات، ثم أنه بعد ذلك يدرأ الحد بالشبهات كل ذلك تفاديا لتوقيع الحدود إلا في حالات استثنائية محضة ويكفي توقيعها في هذه الحالات حتى يتحقق أثرها الفعال في منع الجريمة وتضييق الخناق عليها إلى أقصى حد ممكن. وانبثاقا من إيمان الثورة العميق بفاعلية نظام الحدود المقرر في الشريعة الإسلامية باعتباره من صنع الله الذي خلق الإنسان وهو أعلم بما يضره وبما ينفعه، فإنها تصدر قانون إقامة حدي السرقة والحرابة، وهو القانون الذي أعدت مشروعه الأصلي اللجنة الفرعية لمراجعة التشريعات الجنائية، وتوافرت اللجنة العليا على بحثه ودراسته في عدة جلسات حتى أفرغ في المشروع المرافق. هذا وقد استمدت أحاكم المشروع من الشريعة الإسلامية بمختلف مذاهبها وآراء الفقه فيها وذلك باختيار الحلول المناسبة توخيا للأيسر على الناس كلما كان في ذلك مصلحة، وقد يكون الحكم المأخوذ من رأي في الشريعة أنسب في موضع معين ويكون الحكم المأخوذ من غيره أنسب في موضع آخر، كل ذلك بمراعاة التناسق التام بين الأحكام وإنساق مفاهيمها واتجاهها جميعا لتحقيق المصلحة المرجوة. وبالنظر إلى أن المشروع الماثل يستحدث أحكاما جديدة في المجالات الجنائية، وهي الأحكام المتعلقة بالحدود والتي تغاير من بعض جوانبها النظام العقابي الراهن، خاصة ما تعلق بنوع العقوبة، وفي تحديدها الثابت، ثم البدء باستعمال بعض المصطلحات الشرعية التي لا تتداولها القوانين الوضعية، كاصطلاحي الحد والتعزير، فإن المشروع بذلك يكون من طبيعة خاصة لا تلتئم تماما مع أحكام قانون العقوبات. وقد اقتضى ذلك أن يعد المشروع في شكل تشريع مستقل ليكون بمثابة قانون خاص وليس في صورة تعديل لقانون العقوبات، فضلا عن أن التعديل لن يقتصر على هذا القانون بل يشمل كذلك أحكام قانون الإجراءات الجنائية، وسوف تتناثر التعديلات في مختلف المواضع من هذين القانونين مما يشتت أحكام المشروع، يمزق أوصاله ويفقده بالتالي تكامله وترابطه اللازمين لفهم أحكامه فهما سليما ميسرا، فضلا عما يؤدي إليه تناثر التعديلات في القانونين من وجود العديد من المواد المكررة فيهما الأمر الذي يحسن تفاديه بقدر الإمكان وينقسم المشروع إلى ثلاثة أبواب: الباب الأول: ويتضمن الأحكام الخاصة بحد السرقة. الباب الثاني: ويتضمن الأحكام الخاصة بحد الحرابة. الباب الثالث: ويتضمن أحكاما مشتركة بين الحدين الباب الأول: الأحكام الخاصة بحد السرقة الأحكام الخاصة بحد السرقة المادة (1) الشروط الواجب توافرها في السرقة المعاقب عليها حدا. تحظى الأموال في الشريعة الإسلامية بالعناية والرعاية والضرب على أيدي العابثين بها والمعتدين عليها ولو أدى ذلك إلى الموت في سبيلها بل قيل من مات دون أهله فهو شهيد ومن مات دون عرضه فهو شهيد ومن مات دون ماله فهو شهيد. وقد بينت الآية الكريمة - والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله... العقوبة المناسبة لجريمة السرقة والاعتداء على المال وحدد المشروع مفهوم السرقة في المادة الأولى والتي نصت على الشروط التي يجب توافرها في السرقة المعاقب عليها حدا فاشترطت في الجاني: أن يكون عاقلا بالغا مختارا فلا حد على صبي ولا مجنون ولا مكره وذلك باتفاق الفقهاء لقوله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق. وقوله عليه الصلاة والسلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. ونظرا لاختلاف الفقهاء في سن البلوغ وعدم وجود علامة تحدد سن المسئولية الجنائية بكل دقة وإحكام فقد ذهبت اللجنة إلى تحديدها بثمان عشرة سنة هجرية وسند ذلك هو مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة. فإذا توافرت هذه الشروط ولكن كان الجاني مضطرا للسرقة لدفع الهلاك عن نفسه بأخذ مأكل أو ملبس أو ما أشبه ذلك سقط عنه الحد والتعزير، قال تعالى "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه" وأما الحاجة فهي أقل من حالة الاضطرار وتصلح شبهة تدرأ الحد ولا تمنع التعزير. وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكفي حاجة المضطر بقوله للصحابة حين سألوه - أفرأيت أن احتجنا إلى الطعام والشراب - كل ولا تحمل وأشرب ولا تحمل. وذكر ابن المنذر قال قلنا يا رسول الله ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟ قال: يأكل ولا يحمل ويشرب ولا يحمل. وأسقط عمر بن الخطاب الحد عام المجاعة قائلا: لا نقطع في العذق ولا في عام السنة أي القحط. وكان رضي الله عنه يضم إلى أهل كل بيت أهل بيت آخر في عام السنة ويقول: لن يهلك الناس على أنصاف بطونهم فكيف نأمر بالقطع؟. ومعنى ذلك أن الحاجة الماسة والقرينة الدالة على الجوع وأن لم تصل إلى حد الاضطرار تكون شبهة تدرأ الحد لقوله عليه الصلاة والسلام "ادرؤا الحدود بالشبهات" وبذلك أخذ المشروع عملا بأيسر الأٌقوال: ولا فرق في ذلك كله بين أن يكون الجاني ذكرا أو أنثى لعموم الآية والأحاديث وعدم ما يدل على التخصيص. ( منح الجليل ج 4 ص 517، جواهد الاكليل ج 2 ص 97، 293 الخرشى ج 5 ص 343، الأحكام الشرعية لابن جزى ص 388 القرطبي جـ 2 ص 225). ( المجموع شرح المهذب ج 18 ص 311، 312 المغنى لابن قدامة جـ 9 ص 95، 144، 115 الدر المختار مع ابن عابدين جـ 4 ص 82، 83 المبسوط جـ 9 ص 139، 140، 141، 184). اشتملت المادة -1- على الشرط الثاني للسرقة الموجبة للقطع وهو أخذ المال خفية بنية التملك، فالأخذ خفية يعتبر شرطا أساسيا في السرقة الموجبة للحد عند جمهور الفقهاء ويقصد به الاستيلاء على المال محل الجريمة دون علم المجني عليه ورضاه كأن يأخذ الشيء المسروق من حرزه في غيبة صاحبه، فلا قطع على من يأخذ المال جهارا، ويذهب به أو يأخذه على وجه المكابرة والقوة لما روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المنتهب قطع ولا على المختلس قطع ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا، فلا قطع على الغاصب والمنتهب والمختلس بنص الحديث لأنهم يأخذون المال على وجه يمكن انتزاعه منهم بالاستغاثة بالناس وبالسلطة لذلك لا يتطلب ردعهم القطع، فالعلة في اشتراط الخفية للقطع أن حصول الجريمة خفية يترتب عليه عدم معرفة الجاني أو الوصول إليه فكان القطع هو العقوبة المناسبة إذا عرف الجاني بعد اقترافه للجريمة. فإذا لم يتوافر في السرقة شرط الخفية فلا قطع ويعزر الجاني بما يراه الإمام. ويشترط لحد السرقة أن يتوافر لدى الجاني القصد الجنائي وهو نية التملك ويتحقق ذلك بأخذ المال مع نية إضافته لنفسه على وجه الملكية مع علمه بأنه مملوك لغيره ومحرم عليه وليس له فيه شبهة ملك أو حق. فإذا انتفى القصد الجنائي بهذا المعنى كأن يستولى على المال بقصد الاتلاف والانتفاع المؤقت مع قصد الرد أو يتلف المال قبل الخروج به من الحرز انتقاما من المجني عليه فلا قطع في ذلك كله لانتفاء القصد الجنائي في الجريمة وهو نية التملك، ومثال الأخذ بنية الانتفاع المؤقت أن يأخذ شاب سيارة غيره من مأواها بقصد النزهة ثم يعيدها. المراجع الخرشى علي خليل جـ 5 ص 333، 334 شرح منح الجليل علي خليل للشيخ محمد عليش جـ 4 ص 516، الزيلعى على متن الكنز جـ 3 ص 211 المغنى لابن قدامه جـ 9 ص 104 المجموع شرح المهذب جـ 18 ص 311، 312. كما اشترطت المادة الأولى في المال المسروق أن يكون منقولا متمولا محترما مملوكا للغير في حرز مثله بلغ نصابا فأكثر. فلا قطع في غير المنقول من العقارات ونحوها وذلك لعدم إمكان نقلها وإخراجها من الحرز الذي هو أساسي لإقامة حد السرقة. فإذا تحايل الجاني على نقلها بأن استل أخشاب المنزل مثلا أو اقتلع بابا أو شباكا (نافذة) منه صارت منقولة وطبقت عليها أحكام السرقة لتمام الشروط وكمال الأركان حين ذاك وبه قال المالكية والحنابلة. ولا قطع في غير ما يتمول كالأشياء التافهة الحقيرة أو الطفل الصغير لأنه ليس بمال مع العلم بأن خطف الأطفال جناية عقوبتها التعزير وفقا للمادة 428 من قانون العقوبات. وبذلك قال أحمد والشافعي وأبو حنيفة وجمهور من الفقهاء. وتجدر الإشارة إلى أنه لا حد في سرقة المصحف عند أبي حنيفة ومحمد لعدم جواز بيعه أو لأنه ليس بمال ولكل واحد حق الاطلاع عليه والحدود تدرأ بالشبهات. وذهب الأئمة الثلاثة والزيدية والظاهرية وأبو يوسف من الحنفية إلى وجوب القطع لعموم قوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" الآية وبذلك أخذ المشروع. ولا قطع في غير المحترم كالخمر والخنزير ومال الحربي بدار الحرب بالاتفاق إذ لا تجب صيانة الأموال التي نهى الشارع عن اتخاذها. أو أباح حرمتها وفي قطع سارق مال المستأمن والمعاهد خلاف فمن رأى أنه ملتزم للأحكام الشرعية قال بعدم القطع وهو مذهب أبو حنيفة وصاحبه محمد وقول للشافعي وأحمد. ومن رأى أن الحد لله أوجب القطع وبه قال مالك وأبو يوسف وأحمد والشافعي وعلى ذلك نهج المشروع لأن إهدار مال المعاهد والمستأمن غدر وخيانة يأباها الإسلام قال تعالى: "وأن أحد من المشتركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله" ومن الجدير بالذكر أن الذين لم يقولوا بالقطع في مال المستأمن لم يروا قطعه إذا سرق وفي هذا إهدار لسيادة القانون على كل من يقيم في إقليم الدولة. (بداية المجتهد جـ 2 ص 484، المبسوط جـ 9 ص 153، الماوردى ص 214، 215 نهاية المحتاج جـ 7 ص 147، السياسة الشرعية ص 47، بدائع الصنائع جـ 7 ص 68، 69، 73 منح الجليل جـ 4 ص 521، 524، 533 المحلي جـ 11 ص 402 وما بعدها المغنى جـ 9 ص 85، 86، 105، 106، 110). كما اشترطت المادة الأولى في السرقة الموجبة للقطع: أن يكون المال المسروق مملوكا لغير السارق فإن كان مملوكا للسارق كأن سرق ملكه من مرتهن له أو مستعيره أو مستأجر أو مودع معه، فالفعل لا يكون جريمة ولا يعتبر سرقة ولو أخذه الفاعل خفية والعبرة بملكية السارق للمسروق وقت السرقة فإن كان يملكه قبل السرقة ثم خرج من ملكه قبل السرقة فهو مسئول عن السرقة وعليه القطع وإن لم يكن يملكه ولكن دخل في ملكه وقت السرقة فلا حد عليه كأن وهب له أو ورثه أثناء السرقة ويشترط لانعدام المسئولية الجنائية أن يملكه قبل إخراجه من الحرز فإن ملكه بعد إخراجه من الحرز فهل يعفيه ذلك من المسئولية الجنائية أم لا اختلف الفقهاء في ذلك على مذاهب فالمالكية يوجبون قطعه مطلقا ملكه بعد الرفع للإمام أو قبله والشافعية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية يوجبون قطعه إذا ملكه بعد الرفع للإمام أما قبله فلا يجب قطعه والحنفية لا يوجبون قطعه مطلقا ملكه بعد الرفع للإمام أو قبله وقد أخذ المشروع بمذهب الحنفية عملا بمد التيسير ودوما للحدود بالشبهات. (المراجع الخرشي علي خليل جـ 5 ص 338 وجنح الجليل شرح مختصر خليل جـ 4 ص 524) بدائع الصنائع جـ 7 ص 88، 89. ولا قطع في سرقة غير المحرز عند جمهور الفقهاء لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رجلا من مزينة قال يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل؟ قال: ليس في شيء من الماشية قطع إلا ما أواه المراح، وليس في شيء من التمر المعلق قطع إلا ما أواه الجرين فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع. فدل ذلك على أن الحرز شرط في إيجاب القطع. وذهبت الظاهرية وطائفة من أهل الحديث إلى عدم اشتراط الحرز لعموم أية السرقة. وضابط الحرز وتحديد مفهومه عند الفقهاء هو عرف الناس وعادتهم في حفظ أموالهم، وذلك يختلف باختلاف الزمان والمكان وقوة السلطان وضعفه وانتشار الأمن وعدمه ونوع المال وقيمته. قال إبن قدامه (الحرز ما عد حرزا في العرف فالذهب والفضة والجواهر حرزها الصناديق تحت الإغلاق والأٌقفال الوثيقة في العمران). وحرز الثياب ما خف من المتاع كالنحاس والرصاص الدكاكين والبيوت المقفلة في العمران فإن كانت مفتوحة وبلا حافظ (حارس) فليست بحرز. وحرز البقل وقدور الباقلاء ونحوها الشرائح من القصب أو الخشب إذا كان في السوق حارس. وحرز الخشب والحطب الحظائر وتعبئة بعضه على بعض مع ربطه بحيث يعسر أخذ شيء منه على ما جرت به العادة إلا أن يكون في فندق مغلق عليه فيكون محرزا ولو من غير قيد. وقد أخذ المشروع برأي الجمهور لمرونته وشموله وقوة مدركه. (البدائع جـ 7 ص 73 وما بعدها، الماوردى ص 215، منح الجليل جـ 4 ص 526، 527، المبسوط جـ 9 ص 147، المغنى جـ 9 ص 87 وما بعدها المجمع شرح المهذب جـ 18 ص 319، 335، 336). كما اشترطت المادة الأولى للقطع أن يبلغ المسروق نصابا وقد اختلف الفقهاء في شرط النصاب. فيرى أهل الظاهر والحسن البصري والحوارج وطائفة من المتكلمين أن السارق يقطع في القليل والكثير لعموم أية القطع. ويرى جمهور الفقهاء أن السارق لا يقطع إلا إذا سرق نصابا ومع اتفاق جمهور الفقهاء على اعتبار النصاب كشرط في القطع اختلفوا في مقداره اختلافا كبيرا. فعند الحنفية مقدر بعشرة دراهم فلا قطع في أقل منها وعند المالكية النصاب مقدر بربع دينار من الذهب الخالص أو ثلاثة دراهم من الفضة أو ما قيمته ثلاثة دراهم، وعند الشافعية النصاب مقدر بربع دينارا وما قيمته ربع دينار سواء كانت قيمته ثلاثة دراهم أم أكثر أم أقل منها فلا قطع عندهم في أٌقل من ربع دينار ولو كانت قيمته ثلاثة دراهم، وعند الحنابلة النصاب مقدر بربع دينار أو ثلاثة دراهم أو ما قيمته تساوي أحدهما، وعن أبي هريرة وإبن سعيد الخدري وإبراهيم النخعي النصاب أربعون درهما مستندين في ذلك لما روى أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت كانت اليد لا تقطع في عهد رسول الله في الشيء التافه فكانت تقطع في ثمن المجن وهو يومئذ كان ذا ثمن، وهذا إشارة منها إلى أنه كان يومئذ مالا خطيرا وذو قيمة كبيرة فتنفيذا لمبدأ التيسير في الحدود وامتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة. أخذ المشروع برأي أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وإبراهيم النخعي فحدد النصاب بأربعين درهما "17 جم من الذهب الخالص" أو ما يعادل قيمتها من العملة الليبية وقدرت في الوقت الحاضر برسالة من المصرف المركزي بعشرة دنانير ليبية. ( المراجع الحرشي علي خليل ج 5 ص 335، 336 منح الجليل على مختصر خليل للشيخ محمد عليش ج 4 ص 520 بداية المجتهد ج 2 ص 485، 486 الزيلعى على متن الكنز ج 3 ص 211، 212 المجموع شرح المهذب ج 18 ص 315، 316، 317 المغنى لابن قدامة ج 9 ص 105، 106 حاشية إبن عابدين على الدر المختار ج 4 ص 83، 84 المبسوط للسرخسى ج 9 ص 137، 138، 139). المادة (2) حد السرقة (عقوبة القطع) ونصت المادة الثانية على عقوبة السارق ولا خلاف بين الفقهاء أنها القطع والأصل في ذلك قوله تعالي "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله .. الآية إلا أنهم اختلفوا في محل القطع اختلافا كبيرا وأساس هذا الاختلاف اختلافهم في تأويل قوله تعالي" فاقطعوا أيديهما فالجمهور يقولون أن المقصود بالقطع الوارد في الآية الكريمة هو قطع اليد اليمنى من الكوع وهو مفصل الكف، وقال الحوارج أن المقصود هو قطع اليد من المنكب، وقال بعض الفقهاء أن القطع يكون من مفاصل الأصابع التي تلي الكف وقد أخذ المشروع برأي الجمهور فأوجب قطع اليد في السرقة من الرسغ لما روى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق من الكوع "ولما روى عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع". وفي السرقة الأولى تقطع يده اليمنى باتفاق جمهور الفقهاء فإن عاد للسرقة بعد قطع يده اليمنى فقد اختلف الفقهاء. 1- فالحنفية والحنابلة يقولون تقطع يده اليمنى في السرقة الأولى فإن عاد للسرقة قطعت رجله اليسرى فإن عاد فلا قطع بعد ذلك وإنما يحبس إلى مدة غير معينة حتى يموت أو تظهر توبته استنادا لما روى أن عليا كرم الله وجه أتى بسارق قطعت يده ورجله فلم يقطعه وقال أني لأستحي من الله من ألا أدع له يدا يبطش بها ولا رجلا يمشي عليها ولما أشار عليه أصحابه بقطعه قال إذا قتلته وما عليه القتل بأي شيء يأكل الطعام بأي شيء يتوضأ للصلاة بأي شيء يغتسل من جنابته بأي شيء يقوم على حاجته؟. وروى أن عمر أتى برجل أقطع اليد والرجل قد سرق فاستودعه السجن بعد أن أشار عليه علي بذلك. 2- والمالكية والشافعية يقولون تقطع اليد اليمنى فإن عاد إلى السرقة قطعت رجله اليسرى فإن عاد الثالثة قطعت اليد اليسرى فإن عاد الرابعة قطعت رجله اليمنى فإن عاد بعد ذلك حبس حتى يموت أو تظهر توبته وذلك لما ثبت لديهم من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السارق (السارق إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله). 3- وقد داود وربيعة أن القطع واجب في اليدين معا فإن سرق قطعت إحدى يديه فإذا عاد للسرقة قطعت يده الثانية فإن سرق الثالثة عزر ومنع الناس ضرره حتى يصلح حاله وحجتهم أن القرآن والسنة جاءا بقطع يد السارق لا بقطع رجله فلا يجوز أن يقطع غير يديه. 4- وقال عطاء أن السارق إذا سرق قطعت يده في السرقة الأولى ولا قطع بعد ذلك إن عاد للسرقة، وعلى هذا فإن عقوبة السرقة هو قطع اليد اليمنى في المرة الأولى فإن عاد بعد ذلك فلا قطع وإنما يعاقب السارق عقوبة تعزيرية وحجة عطاء أن الله جل شأنه قال فاقطعوا أيديهما ولو شاء أمر بقطع الرجل ولم يكن الله تعالي نسيا وهذا ما أخذ به المشروع. ( المراجع - الحرشي علي خليل ج 5 ص 334، 335، منح الجليل على مختصر خليل للشيخ محمد عليش ص 517، 518، 519 بداية المجتهد ج 2 ص 491، 492 الزيلعى على متن الكنز ج 3 ص 224، 225 المجموع شرح المهذب ج 18 ص 333، 434 المغنى لابن قدامة ج 9 ص 120، 121 المحلى لابن حزم ج 11 ص 354، 355 تفسير القرطبي ج 6 ص 171 ، 172 أحكام القرآن لابن العربي ج 2 ص 613). المادة (3) حالات لا يقام فيها حد السرقة ونصت المادة الثالثة من المشروع على بعض الاستثناءات التي يعفى بموجبها الجاني من عقوبة القطع والقاعدة الأصولية فيها مردها إلى الشبهة وكل شبهة تسقط الحد ولا تمنع التعزير. ففي البند الأول: نصت على عدم القطع إذا كان المكان عاما مفتوحا للجمهور ولا حافظ (حارس) للمال أو مكانا خاصا وإذن بالدخول فيه والمال غير محرز عن الجاني وذلك لعدم كمال أركان السرقة بفقدها لتمام الحرز فإذا أحرز المال وجب القطع لتمام وكمال أركان الجريمة وأساس ذلك هو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد قال إبن قدامة "وإذا سرق من الحمام ولا حافظ فيه فلا قطع عليه في قول عامتهم وإن كان ثم حافظ قال القاضي فيه رواية بالقطع وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وأبو ثور وإبن المنذر لأنه متاع له حافظ فيجب قطع سارقه كما لو كان في بيت" وقال أبو حنيفة لا قطع على من سرق من الأماكن العامة كالحمام وحوانيت التجارة والحانات ولو مع الحافظ حيث كانت مفتوحة يرتادها الناس، فلو كانت مغلقة وفي غير أوقات الإذن بالدخول وجب القطع، وفرق بين المسجد والحمام إذا وجد حافظ فيهما فاعتبر الحافظ حرزا في المسجد ولم يعتبره في الحمام، وذلك لأن المسجد لم يبن للأحرار صلا بينما الحمام كالبيت بني للأحراز. منح الجليل ج 4 ص 534، 535 المغنى لابن قدامة ج 9 ص 98 وما بعدها المجموع شرح المهذب ج 18 ص 320 الدر المختار وإبن عابدين ج 4 ص 98. وفي البند الثاني: نصت على منع القطع إذا حصلت السرقة بين الأصول والفروع أو بين الزوجين أو بين المحارم. أما السرقة بين الأصول والفروع فقد اختلف الفقهاء فيها اختلافا كبيرا. 1- فالمالكية يقولون بعدم القطع في سرقة الأصول من الفروع ويوجبونه في سرقة الفروع من الأصول نظرا لقوة الشبهة في الأولى وضعفها في الثانية. 2- وقال الشافعية والحنابلة لا يقطع الوالد بسرقة مال ولده سواء في ذلك الأب والأم والإبن والبنت والجد والجدة من قبل الأب والأم لقول رسول الله أنت ومالك لأبيك وقوله صلى الله عليه وسلم "أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وأن ولده من كسبه" ولا يقطع الإبن عندهما بسرقة مال والده لأن النفقة تجب في مال الأب لإبنه حفظا له فلا يجوز إتلافه حفظا للمال، فأما سائر الأقارب غير من ذكروا فيقطعون إذا سرقوا سواء كانوا من ذوي الأرحام المحرمين أم لا. 3- وقال الحنفية لا يقطع من سرق من ذي رحم محرم لأنه يدخل بعضهم على بعض دون إذن عادة وفي ذلك إذن ضمني بالدخول فتكون السرقة من غير حرز فضلا عن أن القطع بسبب السرقة يفضي إلى قطع الرحم وذلك حرام وما يفضي إلى الحرام حرام، أما من سرق من ذي رحم غير محرم فيقطع لأنه لا يدخل بعضهم على بعض عادة دون استئذان فليس هناك إذن صريح ولا ضمني بالدخول. أما سرقة أحد الزوجين من الآخر فقد اختلف الفقهاء فيها أيضا: 1- فقال المالكية إذا كان كل واحد ينفرد ببيت فيه متاعه فالقطع على من سرق من مال صاحبه إذا كان المال المسروق في مكان محجور عن السارق أن يدخله أما لو سرق من مكان يدخله فلا قطع لأنه خائن لا سارق. 2- وقال الإمام الشافعي في سرقة أحد الزوجين من الآخر الاحتياط عدم القطع لشبهة الاختلاط وشبهة المال. 3- وقال أهل الظاهر يقطع كل واحد من الزوجين إذا سرق من مال صاحبه ما لم يبح له أخذه، أما إذا كان المأخوذ مباحا أخذه كنفقة الزوجة أو كسوتها فلا قطع. 4- وقال الحنفية وبعض الحنابلة لا يقطع أحد الزوجين إذا سرق من مال الآخر سواء تمت السرقة من بيت الزوجية الذي يقيمان فيه أم من بيت آخر لأن كلا من الزوجين مأذون له بدخول منزل صاحبه "وقد أخذ المشروع بمذهب الحنفية تيسيرا على الناس ودرءا للحدود بالشبهات". المراجع - الحرشى علي خليل ج 5 ص 338، منح الجليل شرح مختصر خليل للشيخ محمد عليش ج 4 ص 526، 531 بداية المجتهد ج 2 ص 490، تفسير القرطبي ج 6 ص 170، الزيلعى على متن الكنز ج 3 ص 220، 221 المجموع شرح المهذب ج 18 ص 329، 330، المغنى لإبن قدامه ج 9 ص 134، 135 المحلي لإبن حزم ج 11 ص 343، 344، 345، 336، 337. وفي البند الثالث: نصت المادة على أنه لا قطع على السارق إذا كان مالك المال المسروق مجهولا وقد اختلف الأئمة في حكم هذه المسألة أيضا فالأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد يرون عدم القطع لأنهم يشترطون للقطع الخصومة ممن يملكها وإذا كان مالك المال المسروق مجهولا أو غائبا فلا تتأتى الخصومة ويرى المالكية القطع فيقطع السارق عندهم متى ثبتت عليه السرقة طالب المسروق منه بماله أولا معلوما أو مجهولا غائبا أو حاضرا لأن حد السرقة حق لله فلا يتوقف على الخصومة ولا معرفة رب المال وقد أخذ المشروع بمذهب الجمهور تيسيرا على الناس ودرءا للحدود بالشبهات. المغنى لإبن قدامه ج 9 ص 121. وفي البند الرابع: نصت المادة على عدم القطع إذا كان الجاني دائنا لمالك المال المسروق وذلك بشرط أن يكون المدين مماطلا أو جاحدا، وأن تقع السرقة بعد حلول أجل الدين ولا يزيد المسروق على حق الجاني بما يساوي نصابا في اعتقاده فإذا اختل شرط من هذه الشروط وجب القطع لانتفاء الشبهة وسند المادة في ذلك هو المذهب المالكي قال الآبي علي مختصر خليل، لا يقطع من سرق من مال غريم له جاحد لحقه الذي عليه قدره، أو من غريم له مقر بما عليه مماطل لحقه لقوة الشبهة. وسواء كان المال المسروق من جنس الدين أو لا. وقال أبو حنيفة بعدم القطع في سرقة الدائن من مال المدين مطلقا حل أجل الدين أولا، كان المدين مماطلا أولا، زاد المسروق على حق الجاني بمقدار نصاب أولا، لأنه والحالة هذه شريكا للدائن في ماله فلا يقطع بأخذ شيء منه. ومذهب الشافعي وأحمد كمذهب مالك، إلا إذا زاد المال المسروق عن حق الجاني بنصاب فأكثر فكمذهب أبي حنيفة. منح الجليل ج 4 ص 1526 مجموع شرح المهذب ج 18 ص 330، 331 الدر المختار وحاشية إبن عابدين ج 4 ص 94، 95 المغنى ج 9 ص 53. وقد يكون المسروق متاعا أو منقولا غير النقدين وتختلف الآراء في تقدير قيمة فأخذ شيء من ذلك ولو زادت قيمة الحقيقة عن الدين وعن نصاب السرقة فلا قطع ما دام الآخذ كان يعتقد أنه لا يزيد عن ذلك. وفي البند الخامس: نصت المادة على عدم قطع الجاني في سرقة الثمار وما شابهها من النباتات غير المحصودة كالخس والجزر وما لا حب له أو كان له حب ولم يحصد بعد، وذلك بشرط أن تكون الثمار على الشجر وأن يستهلك ذلك داخل الحرز بالأكل من غير إخراج، فإذا أخرج نصابا فأكثر وجب القطع استنادا على قوله عليه الصلاة والسلام "من أصاب منه - الثمار- من ذي حاجة غير متخذ خفية فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه القطع". وقد رأى المشروع النزول على حكم هذا الحديث الشريف لما فيه من الزجر وحفظ الأموال ولما فيه من دفع حاجة جوع الجائع من مقيم أو عابر سبيل. ومن الجدير بالذكر أن المالكية قالوا بالقطع وعدمه في سرقة الثمار المعلقة على الشجر إذا كانت بحائط مغلق عليها. أما سرقة الزرع بعد حصده والتمر بعد جذه وقبل أن يأويه الجرين ففيه ثلاثة أقوال: القطع، وعدمه، والقطع إن ضم بعضه إلى بعض وإلا فلا. منح الجليل ج 4 ص 536، 537- الدر المختار وحاشية إبن عابدين ج 4 ص 91، 92- المغنى لإبن قدامه ج 9 ص 96. المجموع شرح المهذب ج 18 ص 335. وفي البند السادس: نصت المادة على سقوط عقوبة الحد عن الشركاء بالتسبب في جريمة السرقة. وذلك إذا كان الجاني شريكا بالاتفاق بأن يتفق مع الجاني على السرقة ولم يفعل شيئا من أعمال الجريمة. أو كان شريكا بالتحريض بأن شجع الجاني على السرقة مكتفيا بما يبعث فيه من قوة العزم والتصميم على ارتكاب الجريمة أو كان شريكا بالمساعدة كأن يحمي الجاني من الخلف أو يدله على مكان المال أو يساعده على نقب الحرز من غير أن يخرج شيئا من المال وقد أخذ المشروع في عدم قطع هؤلاء برأي الجمهور لعدم توفر شروط القطع. المغنى ج 9 ص 120 منح الجليل ج 4 ص 536. تحفة الفقهاء ج 3 ص 239. المجموع شرح المهذب ج 18 ص 326. وفي البند السابع: نصت المادة على أنه لا يقطع الجاني إذا تملك المال المسروق بعد السرقة وقبل الحكم نهائيا في الدعوى وقد اختلف الفقهاء في حكم ذلك. 1- فقال المالكية إذا أخرج الجاني المال من الحرز وجب قطعه مطلقا ملك المسروق بعد الرفع للإمام أو قبله. 2- وقال الحنفية لا يجب قطعه مطلقا ملكه بعد الرفع للإمام أو قبله. 3- وقال الشافعية والحنابلة وأبو يوسف لا يجب قطع السارق إذا ملك المسروق بعد الرفع للإمام أما قبله فلا يجب القطع وقد أخذ المشروع بسقوط الحد إذا تملك الجاني المسروق قبل أن يصبح الحكم نهائيا أخذا بمبدأ التيسير في الحدود الذي التزمه في أغلب الأحكام. المراجع: الخرشي علي خليل ج 5 ص 338 ومنح الجليل شرح مختصر خليل ج 4 ص 524، بداية المجتهد ج 2 ص 492. وفي البند الثامن: من المادة الثالثة نص على أنه إذا تعدد الجناة في جريمة السرقة ولم يبلغ ما أصاب كل واحد منهم نصابا لا يقطعون ما لم يكن - المسروق نصابا ولا تتم السرقة إلا بتعاونهم جميعا" وقد أفاض الفقهاء في هذه المسألة وتخلص آراءهم في أن الجماعة إذا اشتركوا في السرقة وبلغ حظ كل واحد منهم في المال المسروق نصابا قطعوا جميعا من غير خلاف فإذا لم يبلغ نصيب كل واحد في المال المسروق نصابا. 1- فقال الشافعية والحنفية لا قطع على واحد منهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا فأثبت قطع يد السارق في ربع دينار ونفاه فيما دون ذلك. 2- وقال الحنابلة يقطعون جميعا. 3- وقال المالكية إن كان المسروق لا يمكن إخراجه إلا بتعاونهم جميعا قطعوا جميعا وإلا فلا قطع على واحد منهم لأن الاشتراك لا يظهر أثره ولا تتحقق قيمته إلا إذا كان الواحد منهم لا يستطيع أن يستقل بإخراج المسروق فالتعاون يكون ظاهرا في هذه الحالة والجماعة تكون حينئذ كالواحد، أما إذا كان كل واحد من الجناة يستطيع أن يستقل بإخراج المال المسروق فالتعاون يكون بينهم مفقودا واستقلال كل واحد عن الآخر ظاهر لذلك فلا قطع إذا لم يصب كل واحد منهم نصابا وقد أخذ المشروع بمذهب المالكية ويبدو أنه أقرب ما يكون إلى الصواب. المراجع: الخرشي علي خليل ج 5 ص 337، منح الجليل شرح مختصر خليل ج 4 ص 523، الزيلعى على متن الكنز ج 3 ص 214، المغنى لإبن قدامه ج 9 ص 140، 141. وفي البند التاسع: من المادة الثالثة نص على عدم قطع السارق إذا كان له شبهة ملك في المال المسروق كشركة أو استحقاق في وقف وكالسرقة من بيت المال والسرقة من الغنيمة، أما بالنسبة للسرقة من مال الشركة فقد اختلف الفقهاء فيها: 1- فقال الحنفية والشافعية والحنابلة لا يقطع السارق إذا سرق من مال مشترك بينه وبين المجني عليه لأن السارق يملك المسروق على الشيوع فيكون هذا شبهة تدرأ الحد. 2- وقال المالكية لا يقطع السارق إذا سرق من مال مشترك بينه وبين المجني عليه إلا إذا توافر شرطان: 1- أن يكون مال الشركة محجوبا عنه. 2- أن يأخذ نصابا أكثر من حقه فإن سرق أقل من نصاب بعد حقه فلا قطع، وقد أخذ المشروع بمذهب الأئمة الثلاثة. أما بالنسبة للسرقة من مال الوقف فإن كان السارق مستحقا فلا يقطع لأن له حقا فيه فيكون ذلك شبهة تدرأ الحد عنه، فإن كان السارق غير مستحق فالقطع وقد قيد المشروع عدم القطع بالنسبة للمستحق ومفهوم المخالفة يقضي بقطع غير المستحق متى توافرت الشروط المبينة في المادة الأولى. وأما بالنسبة للسرقة من بيت مال المسلمين فلا قطع فيها عند الأئمة الثلاثة لأن للسارق حقا في هذا المال فيكون هذا شبهة تدرأ الحد وخالف الإمام مالك في ذلك فأوجب قطع السارق من بيت المال لضعف شبهة في بيت مال المسلمين سواء كان منتظما أم لا، وقد أخذ المشروع بما قال به الأئمة الثلاثة. المراجع الخرشي علي خليل ج 5 ص 338، منح الجليل شرح مختصر خليل للشيخ عليش ج 4 ص 525 الزيلعى على متن الكنز ج 3 ص 218. المجموع شرح المهذب ج 18 ص 329 المحلى لابن حزم ج 11 ص 327، 328، 329 تفسير القرطبي ج 6 ص 169، المغنى لابن قدامة ج 9 ص 135 ، 136. هذا ويلاحظ أن الحالات المنصوص عليها في المادة الثالثة من المشروع لا تعدو أن تكون في جملتها تطبيقا لمبدأ درأ الحدود بالشبهات" ولذلك فإن المادة لم تذكر هذه الحالات على سبيل الحصر وإنما بيانا لأهم الحالات التي تقوم فيها شبهة تمنع من إقامة الحد ولا يمنع ذلك من درء الحد كلما توافرت الشبهة ولو في غير الحالات المشار إليها ،على أن يرجع في ذلك إلى المشهور في مذهب الإمام مالك وفقا للإحالة الواردة في الفقرة الأولى من المادة 23 من المشروع. كما يلاحظ أيضا أنه ولئن أفلتت الحالات التي تتوافر فيها الشبهة من إقامة الحد إلا أنها لا تفلت من العقوبات التعزيرية المنصوص عليها في قانون العقوبات متى كان معاقبا عليها بموجب أحكام هذا القانون أو بموجب أي قانون آخر وهذا هو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة. الباب الثاني الأحكام الخاصة بحد الحرابة المادة (4) جريمة الحرابة والشروط الواجب توافرها لإقامة الحد فيها الأصل في هذا النوع من الحدود (حد الحرابة أو قطع الطريق) قول الله تبارك وتعالى "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فأعملوا أن الله غفور رحيم" الآيتان 33، 34 من سور المائدة. وقد نزلت هاتان الآيتان في قطاع الطريق لا في المشركين ولا في المرتدين بدليل قوله "إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم" وليس عدم القدرة عليهم مشترطة في توبة الكفار، فبقى أن يكون الحكم خاصا بالمحاربين قطاع الطريق. والمحاربون هم الذين يجتمعون بقوة وشوكة يحمي بعضهم بعضا ويقصدون المسلمين أو غيرهم في أرواحهم وأموالهم ويخيفون الناس ويثيرون بينهم القلق والفزع. والسعي في الأرض بالفساد عبارة عن إخافة الطريق بحمل السلاح أو غيره من الآلات الصالحة للإيذاء والاعتداء الجسماني أو التهديد بأي منهما سواء أصحبه قتل النفوس وأخذ الأموال أم لا، وسواء تم ما تقدم من مجموعة أم من فرد. وقد اختلفوا فيما إذا كان القصد إلى أخذ المال شرطا في تحقق معنى الحرابة أو يكفي أن يقصد إلى قطع الطريق وإخافة الناس ومنع مرورهم فيه، ومذهب الإمام مالك يعتبر محاربة قطع الطريق ومنع المرور فيها بقصد الإخافة أو بقصد أخذ المال (حاشية الدسوقي الجزء الرابع - طبعة دار أحياء الكتب العربية - ص 438، ومواهب الجليل لشرح مختصر جليل طبعة مكتبة النجاح بطرابلس الجزء السادس ص 314) ومن ثم اعتبر المشروع أن جريمة الحرابة تتوافر في إحدى حالتين: (1) الاستيلاء على مال الغير مغالبة (2) قطع الطريق على الناس ومنع المرور فيها بقصد الإخافة وقد اشترط المشروع استعمال السلاح أو أداة الإيذاء أو التهديد بأي منهما في الحالتين (المغنى - الجزء 8- الناشر مكتبة الجمهورية العربية ص 288). واتفق الفقهاء على أن العمل المكون للجريمة يعتبر حرابة إذا حصل خارج المصر، أي خارج العمران ، وأما إذا حصل داخل العمران ففيه الخلاف: فقال أبو حنيفة ومحمد لا يكون حرابة ولا قطعا للطريق لا مكان الغوث غالبا داخل العمران مدينة أو قرية، وروى عن مالك أنه لا يكون محاربة إلا إذا وقع على ثلاثة أميال من العمران كما روى عنه أن المكابرة في العمران في اللصوصية والمغالبة تكون محاربة وهذا رأي بعض الحنابلة والظاهرية. وهناك من يقول أن الأمر في العمران يدور على إمكان الغوث وقربه أو عدم إمكانه وبعده ،فإذا لم يمكن الغوث أصلا أو كان بعيدا كانت محاربة، وإن أمكن وكان قريبا لا تكون محاربة وهو رأي أبي يوسف من الحنفية والشافعي والا وزاعي والليث بن سعد وأبي ثور وقد أخذ المشروع بهذا الرأي واعتبر ما يقع في العمران محاربة متى كان الغوث بعيدا أو غير ممكن. ( المغنى - الجزء الثامن ص 287، 288، والبدائع للكاساني - الطبعة الأولى 1328هـ الجزء السابع ص 92، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج طبعة مصطفى البابي الحلبي الجزء الثامن ص 3 وبداية المجتهد الجزء الرابع ص 455) ويلاحظ أن المذهب المالكي يشترط في الحرابة عموما أن تكون على وجه يتعذر مع الغوث، فقد جاء في مواهب الجليل الجزء السادس ص 314 أن المحارب هو من قطع الطريق على الناس ومنعهم من السلوك فيها وأن لم يقصد أخذ المال على وجه يتعذر مع الغوث. واختلف الفقهاء أيضا في تحقق الحرابة من المرأة فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أن الحرابة لا تتحقق من المرأة فإذا قطعت الطريق بنفسها أو مع غيرها من الرجال أو النساء وتولت هي القتل أو أخذ المال فلا حد عليها ولا على من معها، وقال أبو يوسف يحد من معها من الرجال دون المرأة ولو كانت هي التي باشرت الفعل وقال مالك والشافعي وأحمد والزيدية وأهل الظاهر المرأة والرجل في ذلك سواء يؤخذون بالحد جميعا متى صدرت منهم الحرابة وارتكبوا من الأفعال أو بعضها ما ذكرته الآية الكريمة. وقد أخذ المشروع برأي الجمهور ولم يشترط الذكورة في المحاربة (المدونة الكبرى الجزء 16 طبعة مطبعة السعادة 1323هـ ص 102، ومواهب الجيل - المرجع السابق ص 314- ونهاية المحاج المرجع السابق ص 2- والمحلي لابن حزم الجزء 11 ص 308، والبدائع للكاساني الجزء السابع ص 91- والمغنى الجزء 8 ص 298). واشترط المشروع فيمن يعتبر محاربا أن يكون عاقلا بلغ سن العمر ثمانية عشرة سنة هجرية ومختارا وغير مضطر لأن العقل أساس التكليف إذ لا مسئولية على غير العاقل، واعتبر السن المذكور حدا للبلوغ لأن البلوغ يكون أساسا بالعلامات وهذا يختلف من شخص إلى شخص ويمكن ظهور بعض العلامات دون بعض مع تحققها بالفعل فأنيط الأمر في البلوغ بسن معينة واختير التقدير بالتقويم الهجري لأنه الأساس في التقديرات الشرعية. واشتراط الاختيار لأن المكره لا إرادة له فلا محل لإقامة الحد عليه، كما اشترط عدم الاضطرار أخذا بالقاعدة الفقهية "الضرورات تبيح المحظورات" واقتداء بالشارع الكريم في قوله تعالى "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه" وحد الضرورة سبق بيانه عند الكلام على حد السرقة. وقد وقع خلاف في تحقق الحرابة بالنسبة إلى المستأمن إذا كان مقطوعا عليه (معتدى عليه)، فذهب الحنفية إلى أنه لا تتم المحاربة بالنسبة له وبالتالي لا حد على المحاربين في هذه الحالة (البدائع للكاساني - الجزء السابع - ص 91) والجمهور على أنه لا فرق في تحقق المحاربة بين أن يكون المقطوع عليه مسلما أو ذميا أو مستأمنا لأن الواجب توفر الأمن في دار الإسلام بالنسبة للجميع وبهذا أخذ المشروع وأطلق ولم يقيد بكون المقطوع عليه مسلما أو ذميا. وقد اختلفوا هل يشترط في توقيع عقوبة الحد على المحاربين أن يبلغ المال المأخوذ نصابا - على اختلافهم في تقديرهم هذا النصاب - بالنسبة للسرقة - وأن يكون محرزا في حرز مثله، أولا يشترط فذهب أبو حنيفة والشافعي إلى اشتراط النصاب لتوقيع الحد. وذهب مالك وأبو ثور إلى عدم اشتراطه لأن العقوبة في تقديره على فعل المحاربة لله وللرسول دون نظر إلى قدر المال الذي يأخذونه وهذا المعنى يتحقق سواء كان المال قليلا أو كثيرا. وفي الحرز ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى اشتراط أن يكون المال محرزا بالحافظ لتوقيع عقوبة الحد، وذهب مالك وأبو ثور إلى عدم اشتراط ذلك جريا على المعنى الذي سلف بيانه بالنسبة لرأيه في النصاب. وقد أخذ المشروع بمذهب الإمام مالك في الأمرين فلم يشترط نصابا ولا حرز لتوقيع الحد. (يراجع في اتجاهات المذاهب في اشتراط النصاب والحرز لتوقيع حد الحرابة: المدونة الكبرى - الجزء 16 ص 100 والبدائع للكاساني الجزء السابع ص 92، ونهاية المحتاج الجزء الثامن ص 3- والمغنى الجزء الثامن ص 293 و294). المادة (5) حد الحرابة وقد اختلفوا في العقوبة التي توقع على المحاربين أخذا من الآية المذكورة، فذهب بعض السلف إلى أن الآية تدل على التخيير إذ عبر فيها بلفظ (أو) وهي للتخيير لغة فيكون الإمام بمقتضى ذلك مخيرا في توقيع هذه العقوبات على من يرتكب جريمة المحاربة غير مقيد بنوع من الإجرام وعقوبة له لأن العقوبة حد للحرابة وقطع الطريق لا لجريمة من الجرائم المذكورة، والإمام مخير فيما يراه حاسما من هذه العقوبة وقاطعا للشر، فعمله هو حسم الداء، والداء في الحرابة لا في نوع معين من الجريمة، فمتى قدر الإمام على المحاربين خير بين أن يجرى عليهم أي نوع من هذه العقوبات وإن لم يقتلوا نفسا ولم يأخذوا مالا، وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح ومالك وأهل الظاهر، غير أن مالكا يقول أن الإمام يكون مخيرا توقيع أي من هذه العقوبات على المحاربين إذا لم يقتلوا نفسا، فإن قتلوا فهو مخير بين أن يقتلهم ويصلبهم أو يقتلهم فقط. وذهب بعض آخر إلى أن (أو في الآية الكريمة ليست للتخيير وإنما هي للتنويع في العقاب لتنوع الجرائم بين السرقة والقتل ومجرد الخروج بقوة للإخافة ومحاربة النظام والأمن، وقد جعل الله عقوبة لكل نوع من هذه الجرائم، فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب ومن اقتصر على أخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ومن أخاف الطريق ولم يقتل ولم يأخذ مالا نفى من الأرض، وهو رأي إبن عباس وقتاده والأوزاعي ومذهب الشافعية والصاحبين من الحنفية وأكثر العلماء، أما أبو حنيفة فإنه يحمل الآية على التخيير في حالة قتل النفس وأخذ المال فيكون الإمام مخيرا بالنسبة لهم في أمور أربعة إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم وإن شاء قتلهم فقط وإن شاء صلبهم فقط ولا يجوز إقرار القطع في هذه الحالة بل لابد معه من القتل أو الصلب، وقال صاحباه لا قطع في هذه الصورة، واتفق الإمام وصاحباه على القتل في حالة القتل والقطع في حالة أخذ المال والنفي من الأرض في حالة قطع الطريق دون قتل ولا أخذ مال (يراجع فيما تقدم بداية المجتهد الجزء الرابع الطبعة الثالثة 1379هـ 1960م ص 455، 456، والبدائع للكاساني الجزء السابع ص 93، 94، 95 والمغنى الجزء 8 ص 288 إلى 295- ونهاية المحتاج الجزء الثامن ص 5). وقد أخذ المشروع بالرأي القائل بتنوع العقوبة بحسب أنوع الجرائم فقرر العقاب بالقتل في حالة القتل فقط أخذا بمذهب الجمهور، وكذلك في حالة القتل مع أخذ المال أخذا بمذهب الإمام أبي حنيفة الذي يجيز القتل فقط في هذه الحالة، وبالقطع إذا أخذ المال بغير قتل أخذا برأي الجمهور، وبالسجن فقط إذا أخاف السبيل أخذا برأي الفقهاء (بالقول بالنفي في هذه الحالة) واختار المشروع السجن في تطبيق عقوبة النفي أخذا برأي الإمام مالك وبمذهب الكوفيين في تفسير السجن بالنفي فيما فسروه به (في تفسير النفي بالسجن أو الحبس يراجع ما ورد في المغنى في هذا الخصوص - الجزء الثامن ص 294 وبداية المجتهد الجزء الرابع ص 456- ونهاية المحتاج الجزء الثامن ص 3- والبدائع الجزء السابع ص 95). المادة (6) سقوط حد الحرابة بالتوبة وقد أخذ المشروع بسقوط الحد بتوبة الفاعل قبل القدرة عليه عملا بنص الآية الكريمة "إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فأعلموا أن الله غفور رحيم" ولم يخالف أحد من الفقهاء في ذلك. وفي معنى التوبة وتحققها قبل القدرة قرر المشروع أن ذلك يتحقق بإحدى طريقتين: (أ) إذا ترك الجاني فعل الحرابة قبل علم السلطات بالجريمة وشخص مرتكبها بشرط إعلان توبته إلى النيابة العامة بأية وسيلة كانت. (ب) إذا سلم نفسه طائعا للشرطة أو النيابة العامة قبل ظهور قدرة السلطة عليه لأن التوبة وإن كانت أمرا بين العبد وربه إلا أنه لكي يترتب على حصولها سقوط الحد لا بد أن يتحقق مظهر خارجي يناط به الحكم في ذلك، وهذا ما تضمنته الطريقتان المذكورتان، ولوحظ أن يكون ما يصدر من الفاعل لتحقيق التوبة قبل القدرة عليه تطبيقا للنص الكريم إذ المراد بما قبل القدرة قبل أن تمتد إليه يد الإمام، والأمر في الحالتين كذلك. واستهدت اللجنة في ذلك بما قاله إبن القاسم الفقيه المالكي من أن التوبة تكون بوجهين أحدهما أن يترك ما هو عليه وأن لم يأت الإمام والثاني أن يلقي سلاحه ويأتي الإمام طائعا (بداية المجتهد الجزء الثاني - المرجع السابق ص 457). وظاهر أن أثر التوبة إنما هو في سقوط الحد الذي قررته الآية الكريمة: أما ما وراء ذلك مما عساه يكون من حقوق العباد كقتل أو قطع قصاصا أو رد مال أو نحو ذلك أو من جرائم تستوجب التعزير، فإنه لا أثر للتوبة في سقوط شيء من ذلك (بداية المجتهد المرجع السابق ص 457) ولذلك أوجب المشروع على النيابة حين يتبين لها وجود مثل هذه الحقوق أو الجرائم أن تحيل الأمر إلى المحكمة المختصة لتقضي فيه. الباب الثالث : أحكام مشتركة المادة (8) الفاعل الذي لم يتم الثامنة عشرة الفاعلي الذي لم يتم الثامنة عشرة يعتبر - في حكم المشروع - صبيا، والصبي - وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية - يمر بمرحلتين الأولى مرحلة عدم التمييز وهي من تاريخ ولادته حتى تمام السابعة، والثانية مرحلة التمييز وتبدأ من تمام السابعة حتى سن البلوغ وهي ثمانية عشر عاما (على ما تقدم بيانه إلى سن البلوغ) ومن المقرر أن الصبي في هاتين المرحلتين غير مسئول جنائيا لكن يجوز - إذا بلغ مرحلة التمييز تعزيره عن الجرائم التي يرتكبها بأوجه التعازير المناسبة لسنه كالتأنيب (التوبيخ) والضرب عند الاقتضاء على صورة مناسبة لسنه، مع العمل على إصلاح شأنه ومراعاة مدى جسامة الجريمة عند اختيار الأسلوب المناسب في التعزير، وهذا جميعه هو ما راعته أحكام المادة الثامنة من المشروع. وقد أستهلت هذه المادة حكمها بعبارة استثناء من شرط السن المنصوص عليه في المادتين الأولى والرابعة (الخاصة بجريمة السرقة والرابعة الخاصة بجريمة الحرابة) وذلك لإيضاح أن الاستثناء - بالنسبة إلى الصبي المميز إنما هو من شرط السن فقط، أما الشروط الأخرى التي يجب توافرها في الفاعل كالعقل والاختيار وعدم الاضطرار فيجب أن تتوافر في الصبي المميز المخاطب بحكم هذه المادة. ومسئولية الصبي في ذلك هي مسئولية تأديبية ووقائية محضة وليست مسئولية عقابية ولذلك نصت الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أن التعازير المنصوص عليها فيها لا تعدوا أن تكون إجراءات تأديبية وذلك حتى لا يترتب عليها أي أثر يلحق الضرر بسمعة الصبي ومستقبله حماية له ورعاية لظروف سنه. المادة (9) نوع جريمتي السرقة والحرابة يقوم تقسيم الجرائم في قانون العقوبات إلى جنايات وجنح ومخالفات على أساس نوع العقوبة المقررة لكل جريمة، وظاهر أن العقوبات المقدرة في جريمتي السرقة والحرابة هي عقوبة الحد بالقطع وهي عقوبة مستحدثة لم يتضمنها التشريع الجنائي القائم، وعقوبتا القتل والسجن هما من عقوبات الجنايات. لذلك رؤى أن تكون جريمتا السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا من الجنايات نظرا لشدة العقوبة التي قررها الشارع، وذلك حتى تتحد الأحكام المتعلقة بالجريمتين على هذا الأساس فيما لم يرد بشأنه نص في المشروع. المادة (10) الإثبات المقرر في الشريعة الإسلامية أن جرائم الحدود لا تثبت إلا بوسائل إثبات محددة، وهي في جملتها لا تخرج عن الإقرار والبينة، ويراد بالبينة شهادة رجلين عدلين. وقد نصت الفقرة الأولى على أن جريمتي السرقة والحرابة تثبتان بإقرار الجاني مرة أمام السلطة القضائية. وقد نص الفقهاء على أن الإقرار المعتبر هو الذي يكون في مجلس القضاء أمام القاضي. ولما كان التنظيم القضائي قد جعل التحقيق من اختصاص النيابة العامة وجعل النيابة العامة جزءا من السلطة القضائية فقد نصت المادة على أن يكون الإقرار أمام السلطة القضائية ليشمل الإقرار أمام النيابة العامة. واقتصرت في البينة على أن تكون شهادة رجلين أخذا برأي الأئمة الأربعة في اتفاقهم على عدم جواز شهادة النساء في الحدود، ومن المسلم أن الشهود لا بد أن يكونوا عدولا وأن تتوفر فيهم وفي الإقرار كل الشروط التي نص عليها الفقهاء، وقد أحالت الفقرة الثالثة بذلك على المشهور من مذهب الإمام مالك وفي خصوص العدالة يراد بها أن يجتنب الشخص الكبائر ويتقي في الغالب الصغائر. وظاهر أن الإثبات إذا كان قد قام على أساس إقرار الجاني ثم عدل عن إقراره فإن أساس الإثبات يكون قد انهار ولا وسيلة إلى توقيع الحد في هذه الحالة. غير أنه يجب أن يحدد مدى حق الجاني في الرجوع عن قراره، ولذلك أجازت الفقرة (2) للجاني العدول عن إقراره إلى ما قبل صيرورة الحكم نهائيا. وتناولت الفقرة (4) حالة عدم تكامل الدليل الشرعي على اكتمال الجريمة وكذلك حالة عدول الجاني عن إقراره، وحتى لا يفلت الفاعل من العقاب فنصت على عقابه بعقوبة تعزيرية مما نص عليه في قانون العقوبات متى اقتنعت المحكمة بثبوت الجريمة بأي دليل أو قرينة أخرى. المادة (11) الشروع في السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا من الواضح أن عقوبة الحد في الجريمتين المذكورتين لا توقع إلا على الجريمة التامة بحسب الشروط المبينة في المشروع، فإذا اقتصر عمل الجاني على مجرد الشروع في الجريمة فلا توقع عليه عقوبة الحد وإنما توقع عليه عقوبة تعزيرية، وتتبع في هذا الشأن أحكام قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية. على أنه لما كانت عقوبات الشروع في قانون العقوبات محددة على أساس العقوبات المقررة للجريمة الكاملة في هذا القانون (المادتان 60، 61) لذلك أخذ المشروع في تحديد عقوبة الشروع في جريمتي السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا أن تكون على أساس عقوبات هاتين الجريمتين بحسب وصفهما في قانون العقوبات. بأن يحدد وصف الجريمة وفقا لهذا القانون ثم تحدد عقوبتها المقررة فيه، وبعد ذلك يمكن تحديد عقوبة الشروع فيهما وفقا لأحكام المادتين 60، 61 المشار إليهما. المادة (12) تعدد الجرائم والعقوبات نظرا إلى أن قانون العقوبات قد واجه حالتي تعدد الجرائم وارتباطها في المواد 76، 77، 78 إلا أن أحكام هذه المواد قائمة على أساس العقوبات المقررة في ذلك القانون وليس من بينها القطع، ولذلك كان من اللازم أن يواجه المشروع حالتي التعدد والارتباط وهو ما يعرف في الشريعة الإسلامية بتداخل العقوبات. وقد واجه المشروع هذه الحالة في المادة (12) منه فعالج فيها حالتين رئيسيتين: الأولى: حالة تعدد الجرائم دون أن يكون فيها عقوبة القتل حدا أو تعزيرا وهذه تحتها فرضان: الأول أن تكون الجرائم المتعددة من جرائم الحدود وفي هذه الحالة لا يخلو الأمر مما يأتي: (أ) أن تكون العقوبات متحدة الجنس ومتساوية القدر، كأن يسرق سرقات متعددة عقوبة كل منها القطع ولكن لم يقم عليه حد، وفي هذه الحالة يقام حد واحد، وكذلك الشأن بالنسبة لتعدد أعمال الحرابة المعاقب عليها بالقطع مثلا إذا أخذ بعدها لا يقام عليه إلا حد واحد (الفقرة 1/ أ) وهذا أخذا من اتفاق الفقهاء. (ب) أن تكون العقوبات متحدة الجنس ومتفاوتة القدر، كأن يرتكب جريمة سرقة معاقبا عليها بقطع اليد، وجريمة حرابة معاقبا عليها بقطع اليد والرجل من خلاف، وفي هذه الحالة يكتفي بتوقيع العقوبة الأشد وهي القطع للحرابة أخذا من قول بعض المالكية (الفقرة 1/ ب). (ج) أن تكون العقوبات مختلفة الجنس كمن يرتكب جريمة سرقة معاقبا عليها بقطع اليد وجريمة حرابة معاقبا عليها بالنفي (السجن) وفي هذه الحالة يوقع عليه الحد .......أخذا بقول جمهور الفقهاء (الفقرة 1/ ج). والفرض الثاني: أن تتعدد الجرائم وفيها جرائم حدود وأخرى معاقب عليها بموجب قانون العقوبات أو غيره، وفي هذه الحالة توقع عقوبات الحدود طبقا للأحكام المبينة فيما تقدم مع عدم الإخلال بالعقوبات المقررة على الجرائم الأخرى في قانون العقوبات أو غيره (الفقرة 2 من المادة 12). وأما الحالة الثانية: فهي أن تتعدد الجرائم وتختلف العقوبات وفيها عقوبة القتل (الإعدام) كأن يسرق سرقة معاقبا عليها بقطع اليد ويقوم بعمل الحرابة ويرتكب جرائم معاقبا عليها بالقتل والقطع من خلاف والسجن، وفي هذه الحالة يكتفي بعقوبة القتل (الإعدام) أخذا بمذهب الإمامين مالك وأبي حنيفة (الفقرة 3). (يراجع في ذلك كله المغنى لابن قدامه الجزء الثامن من ص 298 إلى 302) المادتان ( 13 و14) العود عالج المشروع في هذه المادة حالة العود إلى جريمتي السرقة أو الحرابة المعاقب عليهما حدا بغير القتل ،وقد نص في الفقرة الأولى من هذه المادة على أن العائد إلى أي من هاتين الجريمتين يعاقب بالسجن ويجوز الإفراج عنه قبل انقضاء مدة العقوبة إذا ظهرت توبته وفقا للأحكام التي بينتها المادة (14) فإذا تكرر العود يعاقب بالسجن المؤبد، وقد أخذ المشروع في عدم القطع في حالة العود إلى السرقة بما رواه أبو بكر بن العربي الفقيه المالكي في تفسيره لآية السرقة من أن عطاء قال أنه تقطع يمين السارق في السرقة الأولى ولا يعود عليه القطع ثانيا إذا تكرر منه الفعل. وأشار القرطبي إلى رأي عطاء هذا نقلا عن ابن العربي. أما العود في الحرابة فإن كان العائد قد ارتكب ما يستوجب القتل فإنه يقتل ولو كان قد سبق توقيع حد القطع أو السجن في الحالة الأولى، أما إذا كان قد اقتصر على ارتكاب ما يوجب حد القطع فإنه لا قطع عليه لذهاب محل القطع ويكتفي بعقوبة السجن أخذا برأي جمهور الفقهاء في العود الثاني في السرقة حيث قالوا أنه لا قطع عليه. وإذا تكرر العود فإن عقوبته تكون السجن المؤبد، وزيادة مدة السجن هنا ليحس بالألم وفداحة الفعل. وأما ما نصت عليه المادة (14) بشأن إجراءات التحقق من توبة العائد فهي إجراءات تنظيمية قصد بها التثبت من حصول التوبة بالفعل والاطمئنان إلى عدم عودة الفاعل إلى الجريمة مرة أخرى، وإن كانت التوبة في ذاتها أمرا مبطنا بين العبد وربه إلا أن الأحكام لا تناط إلا بالمظاهر الخارجية المضبوطة، ولذلك وضعت هذه الإجراءات لتحقيق هذه الغاية. المواد ( 15، 16، 17) سقوط الجريمة والعقوبة استقى المشروع المبدأ الذي قامت عليه هاتان المادتان من سقوط الجريمة وانقضاء العقوبة بمضي المدة من مذهب الحنفية في حالة ما إذا كان طريق ثبوت الجريمة أو طريق الحكم هو البينة بأن يقبض على الجاني بعد مدة ولم يقر وتقدم شهود للإثبات وذلك بناء على أن مضي زمن طويل دون التقدم بالشهادة يثير التهمة والشك في الشهادة، أما إذا كان طريق الثبوت أو الحكم الإقرار فلا تأثير للتقادم لأنه لا محل للتهمة ولا للشك في سلامة الإقرار لأن الإنسان لا يقر على نفسه عادة إقرار غير صحيح (بدائع الصنائع الجزء السابع ص 46، 51- وفتح القدير لابن الهمام الجزء الرابع ص 162، 179- الطبعة الأولى الأميرية) وهذا المبدأ هو الذي يتسق في الجملة مع القواعد الجنائية العامة المعمول بها حاليا ومع التنظيم القضائي العام في الدولة وهو الذي يحقق المصلحة. ولم يأخذ المشروع بما حدده مذهب الحنفية في شأن مدة التقادم واستهدى فيما حدده بأحكام قانون العقوبات تأسيسا على الرأي القائل في المذهب بأن تحديد المدة مفوض إلى رأي الإمام في كل بلد وزمان لاختلاف الظروف والأحوال. ويلاحظ أن المشروع عنى بالنص على سقوط الجريمة والعقوبة بمضي المدة حتى يحسم هذه المسألة من ناحية الحكم الشرعي الذي تخيره المشروع بعد أن رأى أنه أكثر يسرا واتساقا مع المصلحة العامة، وهذا لا يمنع من تطبيق حكم سقوط الجريمة والعقوبات بموت الجاني ويطبق في ذلك أحكام قانون العقوبات (المادتان 105، 119) وأحكامهما لا تخالف المقرر في أحكام الشريعة وذلك بحكم الإحالة العامة الواردة في المادة (23) من المشروع بالترتيب الذي جرى به بنص الفقرة الأولى منها. كذلك فإن المادة (17) قررت الأحكام المتفق عليها بين الفقهاء بشأن عدم جواز وقف تنفيذ عقوبات الحدود المنصوص عليها في المشروع ولا استبدال غيرها بها ولا تخفيضها ولا العفو عنها. المادتان ( 18، 19) عرض الحكم على محكمة النقض وتنفيذه ولما كانت العقوبات المقررة حدا في هذا المشروع على جريمتي السرقة والحرابة لها خطورتها وكانت الأركان والشروط التي ذكرها الفقهاء لتكوين كل من الجريمتين شرعا بحيث تستوجب عقوبة الحد المقرر من الدقة بحيث تتطلب من القضاء الذي يضطلع بعبء النظر والحكم في مثل هذه القضايا جهدا وعمقا ومزيدا من النظر والتمحيص. ولما كانت طبيعة العقوبة تفوت على الجاني حياته أو بعض أعضائه وتجعل حياته بعد ذلك في وضع مهدد، رؤى وجوب عرض القضايا الخاصة بهاتين الجريمتين على محكمة النقض بحكم القانون تقوم به النيابة ولو لم يطعن صاحب الشأن وأن تقوم النيابة بعرض القضية على محكمة النقض بكافة أوراقها وأن تقدم مذكرة بوجهة نظرها كما رؤى إعطاء الجاني حق الدفاع عن نفسه، ولزيادة الاحتياط وتوفير الضمانات الممكنة بالنسبة له رؤى أن يندب له محام يدافع عنه إن لم يكن له محام. وأن تنظر محكمة النقض الموضوع كما تنظر القانون وتفصل في القضية ويكون حكمها نهائيا. وللاعتبارات المتقدمة رأى المشروع ألا ينفذ الحكم إلا بعد أن يصبح نهائيا. المادتان ( 20، 21) تنفيذ عقوبات الحدود لما كانت العقوبات التي تضمنها المشروع في جريمتي السرقة والحرابة ذات طابع خاص، وهي مع ذلك مستحدثه ولم يسبق تطبيقها ولا تنفيذها الأمر الذي قد يوقع القائمين على التنفيذ في خطأ أو إجراءات لم ينص عليها القانون، رؤى تنظيم كيفية التنفيذ في هاتين المادتين ملاحظا فيها التيسير في التنفيذ وعدم تعريض المحكوم عليه لأخطار تهدد حياته أو تصيبه بأذى لم يقصده الشارع من وراء تقرير العقوبة وتجعل القطع أو القتل بأسهل ما يمكن لأن المقصود هو الردع والزجر وليس التعذيب والاعنات (ورد بالمغنى الجزء الثامن ص 261 أن السارق يقطع بأسهل ما يمكن). المادة (22) قد يحدث ........أن تكون يد السارق اليمنى شلاء أو مقطوعة الإبهام أو الأصابع وفي هذه الحالة اختلف الفقهاء في قطع هذه اليد وعدم قطعها ويرى الحنفية أنها تقطع لقوله تعالى "فاقطعوا أيديهما" إي إيمانهما من غير فصل بين يمين ويمين ولأنها لو كانت سليمة تقطع باتفاق فالناقصة المعيبة أولى بالقطع. ( البدائع للكاسانى - الجزء السابع ص 87). وهناك حالات رأي الفقهاء ألا قطع فيها على السارق وهي الحالات المنصوص عليها في الفقرة (2) من المادة المشار إليها. فبالنسبة للحالتين أ، ب أخذ فيهما المشروع بمذهب الحنفية (البدائع الجزء 7 ص 87) وذلك لئلا يفوت عليه منفعة البطش التي تكون باليدين أو بإحداهما إذ أن قطع اليمنى في الحالة (أ) يذهب بتلك المنفعة، وفي الحالة (ب) يفوت عليه الشق (اليد اليمنى والرجل اليمنى). أما بالنسبة للحالة (ج) فقد أخذ المشروع فيها بمذهب المالكية (شرح منح الجليل الجزء 4 ص 540). على أن امتناع إقامة الحد في الحالات السابقة لا يعفى الجاني من عقوبة التعزير طبقا لأحكام قانون العقوبات، وقد نصت على ذلك الفقرة الأخيرة من المادة (22) المادة (23) الإحالة أحالت الفقرة الأولى من هذه المادة فيما لم يرد بشأنه نص في المشروع بالنسبة إلى جريمتي السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا، أولا إلى المشهور من مذهب الإمام مالك باعتباره المذهب السائد في هذه البلاد من زمن طويل وألف الناس تنظيم شئونهم وأموالهم وقضاياهم في ضوء من أحكامه كما ألف القضاء تطبيق هذه الأحكام على الحوادث في سهولة ويسر وثانيا على أحكام قانون العقوبات باعتباره القانون العام المطبق في مسائل الجرائم والعقوبات وهذا كله في شأن الأحكام الموضوعية. أما بالنسبة إلى الإجراءات فقد نصت الفقرة الثانية من المادة على أن تطبق بشأنها أحكام قانون الإجراءات الجنائية فيما لم يرد بشأنه نص في المشروع، وذلك لارتباط هذه الإجراءات بالنظام القضائي القائم. وذلك بطبيعة الحال مع ملاحظة ما نصت عليه الفقرة (3) من المادة (10) من المشروع من أن يراعى في صحة الإقرار والشهادة وشروطهما إتباع المشهور في مذهب الإمام مالك وذلك لقيام هذه المسائل على أحكام شرعية ليس المرد فيها - في الأصل - إلى قانون الإجراءات. ولما كانت أحكام هذا المشروع تتعلق أساسا بجريمتي السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا، وهناك جرائم سرقات أخرى عادية أو مصحوبة بالإكراه أو بظروف مشددة لا تتوافر فيها شروط أي من الجريمتين المعاقب عليهما حدا، رؤى النص في الفقرة الثالثة من المادة المشار إليها على أن أحكام المشروع لا تخل بأحكام قانون العقوبات أو أي قانون آخر وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في المشروع، وبذلك تظل جميع السرقات والجرائم التي لا تتوافر فيها شروط جريمتي السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا محكومة بالقوانين التي تعاقب عليها وتجدر الإشارة إلى أنه بالنسبة إلى جريمتي الحد بالذات فلا يرجع في شأنهما إلى أحكام قانون العقوبات إلا عند عدم وجود نص في كل من المشروع والمشهور من مذهب الإمام مالك على ما سلف البيان، باعتبار أن ذلك يعتبر حكما خاصا بهاتين الجريمتين نصت عليه الفقرة الأولى من المادة (23). هذا هو مشروع قانون إقامة حدي السرقة والحرابة، تصدره حكومة الثورة عملا بالشريعة الإسلامية الغراء، واتجاها نحو أن يكون الحكم بما أنزل الله، وتحقيقا للرغبة العامة للشعب الليبي العربي المسلم، وأن حكومة الثورة لتوقن كل اليقين أن هذا القانون سيجد الاستجابة الكاملة من الشعب وكم يسعد الحكومة ألا يطبق الحدان إلا في حالات شاذة استثنائية محضة، وهي الحالات التي ينحرف أربابها عن جادة السبيل المستقيم ولا يجدي معها نصح أو وازع من دين أو خلق.
المادة () : باسم الشعب مجلس قيادة الثورة نزولاً على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء, واستجابة لرغبة الشعب العربي المسلم في الجمهورية العربية الليبية, وتأكيداً لما تقضى به المادة السادسة من دستور اتحاد الجمهوريات العربية, وبعد الاطلاع على الإعلان الدستوري الصادر في 2 من شوال 1389هـ الموافق 11 من ديسمبر 1969م, وعلى قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 9 من رمضان 1391هـ الموافق 28 أكتوبر 1971م بتشكيل لجان لمراجعة التشريعات وتعديلها بما يتفق مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية, وعلى قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية الصادرين في 21 من ربيع الأول 1373هـ الموافق 28 من نوفمبر 1953م, وعلى ما انتهت إليه اللجنة العليا لمراجعة التشريعات وفقاً لقرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 9 من رمضان 1391هـ الموافق 28 من أكتوبر 1971م المشار إليه, وبناء على ما عرضه وزير العدل وموافقة رأي مجلس الوزراء, أصدر القانون الآتي
المادة (1) : الشروط الواجب توافرها في السرقة المعاقب عليها حدا مع مراعاة أحكام المادة الثالثة من هذا القانون، يشترط في السرقة المعاقب عليها حدا ما يأتي: 1- أن يكون الجاني عاقلا، أتم ثماني عشرة سنة هجرية مختارا، غير محتاج ولا مضطر. 2- أن يأخذ الجاني المال خفية بنية تملكه. 3- أن يكون المال المسروق منقولا، متمولا، محترما، مملوكا للغير في حرز مثله، لا يقل قيمته عن عشرة دينارات ليبية وقت حدوث السرقة.
المادة (2) : حد السرقة إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة السابقة يعاقب السارق حدا بقطع يده اليمنى.
المادة (3) : حالات لا يقام فيها حد السرقة لا يطبق حد السرقة إذا كان للجاني شبهة كما في الأحوال الآتية: 1- إذا حصلت السرقة من الأماكن العامة أثناء العمل فيها أو أي مكان آخر مأذون للجاني في دخوله ولم يكن المسروق محرزا. 2- إذا حصلت السرقة بين الأصول والفروع أو بين الزوجين أو بين المحارم. 3- إذا كان مالك المال المسروق مجهولا. 4- إذا كان الجاني دائنا لمالك المال المسروق وكان المالك مماطلا أو جاحدا وحل أجل الدين قبل السرقة وكان ما استولى عليه الجاني يساوي حقه أو أكثر من حقه بما لا يصل إلى النصاب في اعتقاده. 5- إذا كان المسروق ثمارا على الشجر أو ما يشابهها كالنبات غير المحصود وأكلها الجاني من غير أن يخرج بها. 6- إذا كان الجاني شريكا بالاتفاق أو التحريض أو المساعدة، ما لم تصل المساعدة إلى حد اعتبار الجاني شريكا بالمباشرة. 7- إذا تملك الجاني المال المسروق بعد السرقة وقبل الحكم نهائيا في الدعوى. 8- إذا تعدد الجناة ولم يبلغ ما أصاب كل واحد منهم نصابا، ما لم يكن المسروق نصابا لا تتم سرقته إلا بتعاونهم جميعا. 9- إذا كان للسارق شبهة في الملك كشركة أو استحقاق في وقف، وكالسرقة من بيت المال والسرقة من الغنيمة. ولا يخل ما تقدم بخضوع الحالات المشار إليها لأحكام قانون العقوبات أو أي قانون آخر.
المادة (4) : جريمة الحرابة والشروط الواجب توافرها لإقامة الحد فيها 1- تتوافر جريمة الحرابة في إحدى الحالتين الآتيتين: (أ) الاستيلاء على مال الغير مغالبة. (ب) قطع الطريق على الكافة ومنع المرور فيها بقصد الإخافة. 2- ويشترط في الحالتين المذكورتين استعمال السلاح أو أية أداة صالحة، للإيذاء الجسماني أو التهديد بأي منهما. 3- وإذا وقعت الحرابة داخل العمران فيشترط عدم إمكان الغوث. 4- ويجب أن يكون الجاني عاقلا، أتم ثماني عشرة سنة هجرية، مختارا، غير مضطر.
المادة (5) : حد الحرابة يعاقب المحارب حدا على الوجه الآتي: (أ) بالقتل إذا قتل سواء استولى على مال أم لم يستول. (ب) بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى إذا استولى على المال بغير القتل. (جـ) بالسجن إذا أخاف السبيل.
المادة (6) : سقوط حد الحرابة بالتوبة 1- يسقط حد الحرابة بتوبة الجاني قبل القدرة عليه، وذلك بإحدي الطرقتين الآتيتين: (أ) إذا ترك الجاني فعل الحرابة قبل علم السلطات بالجريمة وشخص مرتكبها بشرط إعلان توبته إلى النيابة العامة بأية وسيلة كانت. (ب) إذا سلم نفسه طائعا إلى الشرطة أو النيابة العامة قبل ظهور قدرة السلطة عليه. 2- ولا يخل سقوط الحد بالتوبة بحقوق المجني عليهم من قصاص ودية، كما لا يخل بالعقوبات المقررة في قانون العقوبات عن الجرائم التعزيزية التي يكون المحارب قد ارتكبها.
المادة (7) : إجراءات التحقق من التوبة المسقطة لحد الحرابة 1- إذا أعلن الجاني عن توبته وفقا لأحكام المادة السابقة، تتولى النيابة العامة تحقيق الواقعة وبحث الشروط اللازمة لسقوط الحد. 2- فإذا كشف التحقيق عن وجود جرائم معاقب عليها تعزيرا، أو وجود حقوق مستحقة للمجني عليهم كقصاص أو دية أو مال مضمون أو قام الشك حول شيء من ذلك، أحالت النيابة العامة الأوراق إلى المحكمة المختصة للقضاء فيه. 3- أما إذا لم يسفر التحقيق عن شيء مما تقدم، قررت النيابة العامة عدم وجه لإقامة الدعوى لتوبة الجاني قبل القدرة عليه.
المادة (8) : تعزير الجاني الذي لم يتم الثامنة عشرة استثناء من شرط السن المنصوص عليه في المادتين الأولى والرابعة، إذا كان الجاني في الجريمتين المنصوص عليهما في هاتين المادتين لم يتم الثامنة عشرة سنة هجرية، يعزر على الوجه الآتي: 1- إذا كان قد أتم السابعة ولم يتم الخامسة عشرة، يعزر بالتوجيه والتوعية والتأنيب، ويجوز - إذا تجاوز العاشرة - تعزيزه بالضرب بما يناسب سنه. 2- وإذا كان قد أتم الخامسة عشرة يعزر بالضرب في جريمة السرقة، وأما جريمة الحرابة فيعزر بالضرب والايواء في إصلاحية قانونية. 3- وفي الحالتين المنصوص عليهما في البندين السابقين، إذا تكرر ارتكاب الجريمة يحكم على الجاني بالضرب بما يناسب سنه فإذا كان قد تجاوز العاشرة، يحكم عليه كذلك بالإيواء في إصلاحية قانونية. 4- وتكون جريمتا الحد المنصوص عليهما في هذا القانون وحدة واحدة في نصوص التكرار. 5- وتعتبر التعازير المنصوص عليها في هذه المادة مجرد إجراءات تأديبية.
المادة (9) : نوع جريمتي السرقة والحرابة تعتبر جناية كل من جريمتي السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا بموجب أحكام هذا القانون.
المادة (10) : الإثبات 1- تثبت الجريمتان المنصوص عليهما في المادتين الأولى والرابعة من هذا القانون بإقرار الجاني مرة واحدة أمام السلطة القضائية، أو بشهادة رجلين، ولا يعد المجني عليه شاهدا إلا في الحرابة إذا كان شاهدا لغيره. 2- ويجوز للجاني العدول عن إقراره إلى ما قبل صيرورة الحكم نهائيا، وفي هذه الحالة يسقط الحد إذا لم يكن ثابتا إلا بإقرار، ولا يخل سقوط الحد بمعاقبته تعزيريا وفقا لحكم الفقرة (4) من هذه المادة. 3- ويراعى في صحة الإقرار والشهادة وشروطهما أتباع المشهور من مذهب الأمام مالك، ويعتبر الشاهد عدلا إذا كان ممن يتجنب الكبائر ويتقي في الغالب الصغائر. 4- وتطبق العقوبات التعزيرية المنصوص عليها في قانون العقوبات إذا لم يكتمل الدليل الشرعي المنصوص عليه في هذه المادة أو عدل الجاني عن إقراره وذلك متى اقتنع القاضي بثبوت الجريمة بأي دليل أو قرينة أخرى.
المادة (11) : الشروع 1- تسري أحكام قانون العقوبات على الشروع في جريمتي السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا. 2- وتتحدد العقوبة على الشروع في الجريمتين المشار إليهما وفقا لأحكام المادتين 60، 61 من قانون العقوبات، وذلك على أساس العقوبة المقررة للجريمة بحسب وصفها في القانون المشار إليه.
المادة (12) : تعدد الجرائم والعقوبات 1- إذا ارتبطت أو تعددت جرائم الجاني المعاقب عليها حدا يعاقب على الوجه الآتي: (أ) إذا كانت العقوبات متحدة الجنس ومتساوية القدر، وقعت عقوبة واحدة. (ب) وأن كانت العقوبات متحدة الجنس ومتفاوتة القدر، وقعت العقوبة الأشد. (جـ) وإذا كانت العقوبات مختلفة الجنس وقعت جميعها. 2- أما إذا كان من بين الجرائم المنسوبة إلى الجاني جرائم أخرى معاقب عليها بموجب قانون العقوبات أو أي قانون آخر فتوقع عقوبات الحدود وفقا لأحكام الفقرة السابقة، وذلك دون الإخلال بالعقوبات المقررة على الجرائم الأخرى. 3- وتجب عقوبة القتل (الإعدام) حدا أو قصاصا أو تعزيرا كل العقوبات الأخرى.
المادة (13) : العود 1- إذا عاد الجاني الذي نفذ عليه الحد إلى أي من جريمتي السرقة أو الحرابة المعاقب عليهما حدا بغير القتل، يعاقب بالسجن، ويجوز الإفراج عنه قبل انقضاء مدة العقوبة إذا ظهرت توبته وفقا لأحكام المادة التالية. 2- فإذا تكرر العود تكون العقوبة السجن المؤبد.
المادة (14) : إجراءات التحقق من توبة العائد 1- لا يجوز الإفراج عن الجاني العائد طبقا لأحكام الفقرة الأولى من المادة السابقة قبل انقضاء 3 سنوات على سجنه. 2- ويجوز له بعد انقضاء هذه المدة أن يتقدم بطلب إلى النيابة العامة يعلن فيه توبته عن جريمة السرقة أو الحرابة، وتتولى النيابة العامة تحقيق الطلب وسؤال من يلزم عن سلوك الجاني في السجن وما ينتظر من صلاح حاله إذا أفرج عنه، وتحيل النيابة الطلب وأوراق التحقيق مشفوعة برأيها إلى المحكمة التي أصدرت الحكم. 3- وتحكم المحكمة بالإفراج عن المسجون إذا ثبت لها توبته ويجوز لها أن تجعل الإفراج عن المسجون مشروطا بمراقبته مدة معينة لا تزيد على باقي العقوبة المحكوم بها أو بأي تدبير وقائي آخر من التدابير غير المقيدة للحرية. 4- وإذا رفضت المحكمة الطلب فلا يجوز تجديده قبل انقضاء سنة على الأقل من تاريخ الحكم برفضه. 5- ولا يجوز الطعن في الحكم الصادر بالإفراج عن الجاني لظهور توبته أو برفض الطلب بأي طريق من طرق الطعن.
المادة (15) : سقوط جريمتي الحد بمضي المدة تسقط الجريمتان المعاقب عليهما حدا بموجب هذا القانون بمضي عشرة سنين من يوم وقوع الجريمة وذلك ما لم يقر الجاني بارتكابه الجريمة وتنقطع هذه المدة وفقا للأحكام المقررة في قانون العقوبات.
المادة (16) : سقوط عقوبات الحدود بمضي المدة 1- تسقط عقوبات الحدود المنصوص عليها في هذا القانون بمضي عشرين سنة إلا عقوبة القتل فتسقط بمضي ثلاثين سنة وذلك كله ما لم يكن الحكم صادرا بناء على إقرار من الجاني. 2- وتبدأ المدة المسقطة للعقوبة من وقت صيرورة الحكم نهائيا. 3- ويوقف سريان المدة كل مانع يحول دون مباشرة التنفيذ.
المادة (17) : ثبات وحتمية عقوبات الحدود لا يجوز الأمر بإيقاف تنفيذ عقوبات الحدود النصوص عليها في هذا القانون، ولا استبدال غيرها بها، ولا تخفيضها، ولا العفو عنها.
المادة (18) : عرض الحكم على محكمة النقض استثناء من القواعد والإجراءات المقررة للطعن بالنقض في الأحكام النهائية: 1- إذا كان الحكم صادرا حضوريا بعقوبة الحد في الجريمتين المنصوص عليهما في المادتين الأولى والرابعة من هذا القانون وجب عرض القضية على محكمة النقض بكافة أوراقها في مدى أربعين يوما من تاريخ الحكم وتندب المحكمة للمتهم محاميا أن لم يكن له مدافع وتقدم النيابة العامة مذكرة برأيها في خلال الخمسة عشر يوما التالية للعرض ولمحامي المتهم تقديم دفاعه خلال خمسة عشر يوما أخرى. 2- وتفصل محكمة النقض في القضية قانونا وموضوعا ويكون هذا الحكم هو النهائي.
المادة (19) : تنفيذ الحكم لا ينفذ الحكم الصادر بعقوبة الحد إلا بعد الفصل في القضية من محكمة النقض.
المادة (20) : تنفيذ عقوبتي القتل والسجن حدا تنفذ عقوبتا القتل والسجن المنصوص عليهما في هذا القانون طبقا للقواعد والإجراءات المعمول بها في شأن تنفيذ عقوبة الإعدام وعقوبة السجن.
المادة (21) : تنفيذ عقوبات القطع تنفذ عقوبتا القطع المنصوص عليهما في المادتين الثانية والخامسة من هذا القانون على الوجه الآتي: 1- يجب أن يسبق التنفيذ مباشرة إجراء كشف طبي على المحكوم عليه بمعرفة الطبيب الشرعي لتقرير انتفاء الخطورة من التنفيذ بسبب مرض أو حمل أو نحوه، وإذا رأى الطبيب تأجيل التنفيذ وجب عليه أن يحدد فترة التأجيل. 2- وينفذ الحكم بالقطع في مستشفى السجن أو في مستشفى عام، بواسطة طبيب أخصائي وبعملية جراحية وبإتباع الطرق الطبية الملائمة بما فيها تحذير المحكوم عليه. 3- ويكون قطع اليد من الرسغ (مفصل الكف) وتقطع الرجل من مفصل الكعب. 4- ويظل المقطوع تحت الرعاية الطبية المدة التي يحددها الطبيب الذي أجرى العملية سواء داخل المستشفى أم خارجه وتجرى له الاحتياطات ووجوه العلاج اللازمة لمنع أية مضاعفات محتملة.
المادة (22) : أحكام خاصة في القطع 1- تقطع يمنى السارق ولو كانت شلاء أو مقطوعة الإبهام أو الأصابع إذا لم يخشى عليه من الهلاك في حالة الشلل. 2- لا قطع على السارق في الحالات الآتية: (أ) إذا كانت يده اليسرى مقطوعة أو شلاء أو مقطوعة الإبهام أو أصبعين سوى الإبهام. (ب) إذا كانت رجله اليمنى مقطوعة أو شلاء أو بها عرج يمنع المشي عليها. (جـ) إذا ذهبت يمناه لسبب وقع بعد السرقة. 3- وإذا امتنع القطع يعاقب الجاني تعزيرا طبقا لأحكام قانون العقوبات.
المادة (23) : إحالة يطبق المشهور في مذهب الأمام مالك فيما لم يرد بشأنه نص في هذا القانون بالنسبة إلى جريمتي السرقة والحرابة المعاقب عليهما حدا، فإذا لم يوجد نص في المشهور، طبقت أحكام قانون العقوبات. أما بالنسبة إلى الإجراءات فتطبق في شأنها أحكام قانون الإجراءات الجنائية فيما لم يرد بشأنه نص في هذا القانون. ولا يخل أحكام هذا القانون بأحكام قانون العقوبات أو أي قانون آخر وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في هذا القانون.
المادة (24) : على جميع الوزراء كل فيما يخصه تنفيذ هذا القانون ويعمل به بعد ثلاثين يوما من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
نتائج بحث مرتبطة
تقدم إدارة موقع قوانين الشرق إصدارها الجديد من تطبيق الهواتف الذكية ويتميز بمحرك بحث في المعلومات القانونية في كافة الدول العربية، والذي يستخدمه أكثر من 40,000 ممارس قانوني في العالم العربي، يثقون به وبمحتواه وحداثة بياناته المستمرة يومياً على مستوى التشريعات والأحكام القضائية والإتفاقيات الدولية والفتاوى و الدساتير العربية والعالمية و المواعيد والمدد القانونيه ، كل هذه المعلومات معروضة بشكل تحليلي ومترابط .
يمكنك تحميل نسختك الاّن