«لم أتوقع يوما أن يسطو أحدهم على إبداعاتي، ويقرر سرقة جهدي الثقافي دون مراعاة لأبسط الحقوق القانونية «، بهذه الكلمات لخصت مؤلفة أردنية ما حدث معها من انتهاك لحقوقها الفكرية، بعد أن اكتشفت بالصدفة أثناء زيارتها لبلد عربي أن احدهم قرر دون موافقتها طباعة نسخة ثانية من كتابها ونشرها على الانترنت وجني أرباح لحسابه الشخصي.

وفي ظل ثورة الانترنت غير متناهية ، وتطور طرق النشر المتنوعة، تساءلت الكاتبة والإعلامية رانية الجعبري عن مدى القدرة على حماية حقوق الملكية الفكرية على الشبكة العنكبوتية ، مؤكدة الحاجة الماسة للمزيد من القوانين والتشريعات لتحمي تلك المواد من العبث، سواء كان ذلك عن طريق التعديل او الحذف او النسخ.

ودعت الجعبري الى ضرورة حماية النصوص الابداعية بنشرها وتوثيقها ورقيا، ثم نشرها الكترونيا، بالرغم من ان الانترنت يتيح نشر المصنفات وتسويقها بكلفة منخفضة، مما يجعل الكاتب يعرض إبداعاته أمام جمهوره ويوزعها دون الحاجة إلى دار نشر، لكن المشكلة تكمن بمواجهة المؤلف صعوبات في حماية حقه عبر النشر الانترنتي.

إبداعات العقل

تعرف الملكية الفكرية بأنها إبداعات العقل من الاختراعات والمصنفات الأدبية والفنية والتصاميم والشعارات والأسماء والصور، وهي محمية قانونا بحقوق مثل البراءات وحق المؤلف والعلامات التجارية، التي تمكّن الأشخاص من كسب الاعتراف أو جني الفائدة المالية من ابتكارهم أو إبداعهم ، وذلك لإرساء توازن سليم بين مصالح المبدعين ومصالح الجمهور وازدهار الإبداع والابتكار.

المحامي عبد الرحمن الشراري قال: « اتخذ الأردن ومن خلال تعاون جميع المؤسسات المعنية الإجراءات الكفيلة بحماية حقوق المبدعين، للمساهمة في الحد من ظاهرة الاعتداء على تلك الحقوق ، وفي هذا الإطار أصدرت الحكومة العديد من القوانين والأنظمة المتعلقة بالملكية الفكرية، التي مرت في مراحلها الدستورية اللازمة ومنها قانون حماية حق المؤلف بمصنفاته المتعددة من كل إبداع أدبي أو علمي».

ويحدد القانون المصنفات المحمية كما ورد في المادة (3) وهي: الكتب والكتيبات وغيرها من المواد المكتوبة ، والمحاضرات والخطب والمواعظ ، والمصنفات المسرحية والمسرحيات الغنائية ، والمصنفات السينمائية والإذاعية ، وأعمال الرسم والتصوير والنحت والزخرفة ، والمصنفات الموسيقية والصور والخرائط ، والأعمال المجسمة وبرامج الحاسوب.

وعلى مدار السنوات الماضية قال الشراري: واصل الأردن جهوده في حماية حق المؤلف، عبر تحديث القوانين والأنظمة استجابة للتطورات العالمية في هذا المجال، وانضمت المملكة لعدة اتفاقيات دولية ، مثل اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية، ومعاهدة الوايبو المتعلقة بالأداء والتسجيل الصوتي، ومعاهدة الوايبو المتعلقة بحق المؤلف، والاتفاقية العربية لحماية حقوق المؤلف، والحقوق المجاورة، «بكين للأداء السمعي البصري».

فوضى إلكترونية

وفي الوقت الذي تتنوع طرق السرقة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعالم الفوضى الالكترونية ، مخالفة بذلك الأعراف الأدبية والعلمية كافة ، تحال يوميا إلى سجلات المحاكم الأردنية قضايا للمدعي العام بإخطار من المكتبة الوطنية اغلبها كما يقول المحامي عبد الرحمن الشراري تتمثل في نسخ المصنفات من أعمال مسرحية وسينمائية وتسجيلات وغيرها عبر الأقراص المضغوطة دون إذن صاحب العلاقة.

وبموجب القانون الأردني فإن من يعرض للبيع أو للتداول أو للإيجار مصنفاً مقلداً أو نسخاً منه، أو أذاعه على الجمهور بأي طريقة كانت ، أو يستخدمه لتحقيق أي مصلحة مادية أو أدخله إلى المملكة أو أخرجه منها ، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على ستة آلاف دينار ، وفي حالة تكرار الفعل يحكم على مرتكبها بالحد الأعلى لعقوبة الحبس وبالحد الأعلى للغرامة ، بالإضافة لتعويضات تقدرها الجهة المسؤولة بما يتناسب مع قيمة المصنف ومدى استفادة المعتدي واستغلاله.

ميثاق الشرف

لا تقتصر انتهاكات الملكية الفكرية على النصوص الثقافية، اذ يشهد الوسط الصحفي بين فترة وأخرى الكشف عن مواد صحفية سطا عليها آخرون ، سواء من الصحافة المحلية او العربية ، وفي هذا السياق قال عضو نقابة الصحفيين خالد القضاة: « نتلقى شكاوى كثيرة من زملاء تعرضت موادهم الصحفية للسرقة دون الإشارة لمصدرها، ولذلك استحدثنا ( لجنة المهنة ) ومهمتها النظر بهذا النوع من القضايا، واتخاذ الإجراءات اللازمة وفق قانون النقابة، وميثاق الشرف الصحفي ، كما شرعنا في عمل دورات تدريبية لتوضيح مفاهيم الملكية الفكرية وأهميتها ، ناهيك عن توعية الصحفيين بطرق الحفاظ على منتجاتهم من صور ونصوص ، وتتبع نشرها «.

فضاء مشاع

إذا كان السطو على الكلمة هو النوع الأوسع انتشارا في الوسطين الصحافي والثقافي فإن سرقة الصور الإبداعية يشكل جريمة كبيرة ترتكب بحق المصورين الصحافيين من قبل رواد الانترنت الذين يستخدمون الصور دون الإشارة إلى اسم المصور.

المصور الصحفي الزميل صلاح ملكاوي أكد أن «هناك انتهاكات كبيرة لحقوق الملكية الفكرية في مجال التصوير الفوتوغرافي أو الفيديو، سواء كان ذلك ورقيا او الكترونيا، وحتى الآن لا يوجد ضوابط في التعامل مع الملكية الفكرية للمصورين، ولا يوجد اعتراف بجهد المصور على اعتبار ان الصورة حق عام للجميع، للأسف قانون الملكية الفكرية غير مفعل ومطبق في هذا المجال «.

محاذير فيسبوك

وفي خطوة لحماية الملكية الفكرية أعلنت شركة فيسبوك في وقت سابق عن استخدام تقنية لمنع سرقات مقاطع الفيديو ونشرها على الموقع، وترصد التقنية نشر أي مقطع على الموقع ، وترسل تنبيها لصاحب الفيديو الأصلي بأن هناك مستخدما آخر بث الفيديو دون إذنه.

اختراقات قوانين الملكية

وشرح المتخصص بشبكات التواصل الاجتماعي وتتبع المحتوى محمد السعيد الإجراءات المتبعة عند تلقي شكاوى بخصوص اختراقات قوانين الملكية الفكرية بأنه « يتم رصد الأجهزة المخترقة لقاعدة البيانات التي تم التعدي عليها، وحمايتها ببرمجيات ذات فاعلية عالية لحفظ حقوقها، ثم تتم مطالبات للشبكات الداعمة لإيقاف كل ما يتعلق بالبيانات المخترقة من قبلهم، ورصد مدى الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بأصحابها «.

كلف السرقات بالمليارات

وأشارت تقارير الى ان انتهاك حقوق الملكية الفكرية يكلف الاقتصاد العالمي خسائر تقدر بـ تريليون وسبعمائة مليار دولار سنويا، نصيب الولايات المتحدة وحدها من هذه الخسائر يبلغ ستمائة مليار دولار كل عام ، وعادة ما يتم اتهام دولة أسيوية كبيرة بأنها ما زالت تشكل اكبر مصدر للقرصنة الفكرية في العالم.

يشار إلى أن دائرة المكتبة الوطنية احالت العام الماضي نحو (317) قضية تخص الملكية الفكرية الى المحاكم الاردنية المختصة ، وأنها احالت من عام 2000 الى 2016 نحو (5934) قضية مشابهة بمعدل 25 واحدة شهريا ، مع مصادرة نحو مليون ونصف من مختلف المصنفات ، وتتكون أغلب المواد المضبوطة من السيديهات والكتب والأشرطة وبرامج الحاسوب.