صادق المجلس التأسيسي في وقت متأخر من ليلة أول أمس، على مشروع قانون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين بأغلبية مطلقة، وذلك بعد أن شهدت ردهات المجلس خصاما وصراعا بين شقين من النواب بين معارض للأحكام الصادرة عن المحكمة العسكرية بحق المتهمين بقتل شهداء الثورة وبين مؤيد لعلوية القضاء واستقلاليته. ففيما أعلن 18 نائبا تعليق عضويتهم بالمجلس إلى حين إعادة النظر في هذه الأحكام، دخل أهالي القتلى والجرحى في اعتصام مفتوح أمام مقر المجلس التأسيسي، بعد أن كان وفد منهم التقى رئيس المجلس مصطفى بن جعفر في وقت سابق. وعبر بن جعفر عن حرص المجلس على عدم السكوت إزاء محاولات التشكيك في مصير الانتقال الديمقراطي ومآل الثورة التونسية، مؤكدا أن ملف القتلى والجرحى سيظل محل متابعة من طرف المجلس ومشيرا بنفس المناسبة إلى أن النواب عازمون على التصدي لكل ما من شأنه أن يضيع حقوق الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن ، ومجددا احترام المجلس للمؤسسات ودولة القانون.

ويبدو أن تداعيات الأحكام التي أصدرتها المحكمة العسكرية السبت والقاضية بإطلاق سراح الأمنيين السامين من نظام بن علي، الذين كانوا يقبعون في السجن جراء اتهامهم بقتل الثوار عمدا وإعطاء التعليمات في هذا الشأن لن تنتهي قريبا، ذلك أن هيئة الدفاع عن عائلات القتلى والجرحى، أعلنت أمس أنها تطالب بمنع سفر المفرج عنهم، إلى حين إعادة النظر في الأحكام وتحويل القضية برمتها إلى المحاكم المدنية. وأعلن منسق هيئة الدفاع عن قتلى وجرحى الثورة عمر الصفراوي أن هيئة الدفاع عن قتلى الثورة وجرحاها ستطالب بتحجير السفر عن كل المتهمين في قضايا قتلى الثورة وجرحاها ضمانا لتنفيذ العقوبة. الصفراوي قال بأن «هناك أيادي خفيّة ضغطت على المحكمة العسكرية لتصدر أحكاما كارثية ضد المتهمين بقتل قتلى الثورة وجرح مواطنين أيام اندلاع الثورة، كما بين أن الهيئة ستطالب بإعطاء إجازة مؤقتة للقاضي إلى حين تولي الهيئة البحث عن أسباب إصدار الحكم بهذه الكيفية فضلا عن مطالبتها بتنقيح مجلة الإجراءات العسكرية في اتجاه أن لا يكون تعقيب المحكمة العسكري ذو مفعول رجعي وفق تعبيره.

ووصف منسق هيئة الدفاع عن شهداء وجرحى الثورة حكم محكمة الاستئناف العسكرية في تونس في عدد من قضايا قتلى وجرحى الثورة بـ»الكارثة والزلزال والتسونامي وندّد الصفراوي بهذا الحكم مبينا أن «تاريخ القضاء العسكري لم يصل أبدا إلى هذه الدرجة من الرداءة التي وصلها اليوم» ومضيفا بان « مهزلة الحكم سبقتها مسرحية الإيهام بان المحكمة تسعى إلى كشف الحقيقة.» وهكذا يتأكد أن هذه القضية مرشحة لمزيد التعقيد خلال الأيام القليلة القادمة، خاصة بعد تدخل الرئيس المنصف المرزوقي وإعلانه بأنه سيقوم بضبط عدد من الإجراءات والتي تخص الأحكام الصادرة عن القضاء العسكري في شأن بعض القيادات الأمنية المتورطة في قمع أحداث الثورة من سنة 2011 ،مشيرا إلى أن هذه الإجراءات سيتم إعلانها خلال خطاب سيلقيه غدا الجمعة.

كما عبر رئيس الجمهورية مجددا عن احترامه لمبدأ استقلال القضاء المكرس بالفصل 109 من الدستور مؤكدا في الآن نفسه أن الرأي العام لم يكن يتوقع هذه الأحكام التي لم تستجب لانتظارات عائلات القتلى و الجرحى ولم تنصفهم ولو بالحد الأدنى، موصيا بالحرص على الطعن في هذه الأحكام أمام محكمة التعقيب والعمل على البت فيها في آجال معقولة. أمنيا، يتواصل تعزيز القوات المشتركة العسكرية والأمنية المرابطة في المنطقة العسكرية العازلة بجبل الشعانبي من محافظة القصرين ( 250 كلم جنوب غرب العاصمة تونس) من أجل تشديد الخناق على العناصر الإرهابية التي لا تزال متحصنة بالجبل منذ أكثر من عام، فيما تسعى القوات المشتركة إلى القضاء نهائيا على بؤر الإرهاب هناك.