لم يكن إقرار قانون السير الجديد أمراً سهلاً، على الرغم من كونه قانوناً عادياً يمكن اعتباره من «البديهيات». مخالفة دستورية أساسية قام بها مجلس الوزراء، ما استوجب إحالة الموضوع على مجلس شورى الدولة، الذي أصدر قراره اخيرا بقبول الطعن المقدّم من جمعية «طرقات الحياة» ورفاقها وإبطال قرار مجلس الوزراء القاضي باستئخار تطبيق قانون السير الجديد. وبالتالي أصبح قانون السير الجديد واجب التطبيق بصورة فورية، وحقق المجتمع المدني تقدماً من خلال نجاحه في الاستحصال على حكم قضائي للصالح العام وإدخال مفهوم مدني للمطالبة القضائية.

منذ عام 2005 بدأت ورشة العمل لوضع مشروع جديد لقانون السير. قانون يتكفّل بتنظيم السير وتأمين السلامة العامة على الطرقات حفاظاً على أرواح الناس. هذه المعادلة لا تمرّ في الدولة اللبنانية، لأن أرواح الناس لا تدخل ضمن نطاق اهتمامات المسؤولين.
بتاريخ 25/10/2012 أقر مجلس النواب قانون السير الجديد الرقم 243، ونُشر في الجريدة الرسمية في العدد 45، وبناءً عليه دخل القانون فورا حيز التطبيق بمجرّد نشره في الجريدة الرسمية. آنذاك رأت الجمعيات المعنية بسلامة الطرقات أنها حققت نصراً بتمرير المشروع بعد مجهود كبير قدمته ومماطلة اللجان، إلّا أنّ مجلس الوزراء ارتأى أن يخالف أهم أسس الديمقراطية المتعلّق بفصل السلطات. أصدر مجلس الوزراء بتاريخ 27/2/2013 قرارا (يحمل الرقم 124) «بناءً على اقتراح وزير الداخلية والبلديات مروان شربل»، وفق كلام الوزير السابق المحامي زياد بارود، طلب بموجبه من الإدارات العامة والمؤسسات العامة المعنية استئخار تطبيق أحكام قانون السير الجديد، والاستمرار في العمل بأحكام القانون القديم إلى حين الانتهاء من التعديلات اللازمة على القانون الجديد. حججٌ عدّة طُرحت آنذاك حول أسباب هذا القرار، يعتقد المحامي زياد بارود، الذي تولّى قضية الطعن أمام مجلس شورى الدولة، أنّ «الحكومة رأتّ أنه يجب تعديل بعض المواد المتعلّقة بآليات التنفيذ وبالغرامات المرتفعة، إلّا أن هذا لا يستدعي أبداً وقف تنفيذ القانون».

مؤسس جمعية «يازا» زياد عقل يؤكّد أنّ أبرز سبب لوقف التنفيذ «يتعلّق بالسيارات والدراجات النارية المستعملة التي تدخل إلى لبنان من دون أن تتطابق مع معايير ومتطلبات السلامة العامة»، ما يمكن أن يلحق الضرر بمصالح البعض. القرار، بعيداً عن أسبابه، يُعد مخالفة واضحة لأن مجلس الوزراء لا يمكنه إيقاف العمل بقانون صادر عن مجلس النواب، كما أنّ مجلس النواب كان قد ألغى قانون السير القديم في المادة 418 من القانون الجديد التي تنص على إلغاء «جميع النصوص المخالفة لهذا القانون، أو التي لا تتفق مع مضمونه، ولا سيما القانون الرقم 76/67 الصادر بتاريخ 26/12/1967 (قانون السير) وتعديلاته»، وبناءً عليه لا يمكن إعادة العمل بالقانون القديم، كما لا يمكن إحداث فراغ تشريعي في مسألة السير من خلال عدم تنفيذ القانون الجديد. استناداً إلى ما سبق قامت جمعية «طرقات الحياة» ورفاقها بتقديم مراجعة تطعن بالقرار أمام مجلس شورى الدولة في 27 نيسان 2014. قبِل مجلس الشورى المراجعة، وأصدر قراراً في أيار 2013 بوقف تنفيذ قرار الحكومة. صدر القرار النهائي للمجلس في 2 تموز2014 حيث «عد القرار المطعون فيه باطلاً بطلاناً مطلقاً، وعديم الوجود لتعدي السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطة التشريعية. وبصدور هذا القرار يكون قانون السير الجديد واجب التطبيق بصورة فورية».
الأجواء توحي بأنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق سيطبّق القانون الجديد وهذا ما يعكسه البيان الصادر أول من أمس عن المشنوق، الذي يدعو فيه إلى تطبيق المادة 85 من قانون السير الجديد «لتزويد الشاحنات بواقي صدمات أمامي وآخر خلفي»، فيما يؤكد زياد عقل أن «القضاء يطبّق أحكام القانون الجديد منذ سنة».