ليلة الثلاثاء وصباح الأربعاء 3 و4 من شهر يوليو/ تموز الماضي، صوّتت الجمعية الوطنية الفرنسيّة (البرلمان) على مقترَحَين من "مشروع قانون مكافحة التلاعب بالمعلومات"، أثناء الفترة الانتخابيّة، بعد نحو شهر من النقاشات الصاخبة، تركزت حول .

مخاوف وانتقادات
يتيح المقترحان لكلّ مرشح أو حزب سياسي رفع دعوى أمام قاضي الأمور المستعجلة من أجل وقف بثّ "معلومات خاطئة" أثناء الأشهر الثلاثة التي تسبق أيّ انتخابات وطنية. وهو ما يستوجب فرض شروط شفافة على  ("فيسبوك" و"تويتر"، وغيرهما)، حين تقوم بنشر محتويات لقاء أجر.

وعلى الرغم من اتفاق جميع الكتل البرلمانية على ضرورة فعل شيء، إلا أن المعارضة التي صوتت ضد إقرار المقترحين، تحدّثت عن "صعوبة تطبيقهما" وبالتالي عن "عدم فعاليتهما"، بسبب انتشار المعلومات بصفة فيروسيّة، خصوصاً في شبكات التواصل الاجتماعية في موَاقع مرتكزة في الخارج. وذهب بعض نواب المعارضة إلى الحديث عن ، وعن "رقباء المعلومات".

وانتقد رئيس حزب "انهضي يا "، نيكولا دوبون إنيان، مبادرة من "ملك الأخبار الكاذبة الذي انتُخب رئيساً للجمهورية"، في حين أنّ ميلانشون رأى فيها رغبة من الرئيس الفرنسي  في حظر ، وهما قناتان روسيتان تحوم حولهما شكوك في تبعيتهما للكرملين وفي التدخل في الرئاسيات الفرنسية والأميركية.

كما أنّ بعض نقابات الصحافة ووسائل الإعلام عبّرت عن الخشية من منح القاضي الشرعيَّةَ لمعلومة خاطئة إذا لم يتوفر على عناصر كفيلة بحظرها. ثم ما هو أصلاً تعريف "الخبر الكاذب"؟ وإن كان مُقرّر مشروع القانون نجح في التصويت على هذا التعريف: "كلّ ادعاء أو إسناد فعل، غير دقيق أو مضلل، يُشكِّلُ خبراً كاذباً".

عودة النقاشات
لكن البرلمان الفرنسي لم يصوّت، بشكل نهائي، على مشروع القانون، حتى يدخل حيّز التنفيذ. وهو ما وعد بتنفيذه النائب البرلماني عن حركة "الجمهورية إلى الأمام"، برونو ستودر، لأن مشروع القانون "يلامس موضع الداء".

لم ينتهِ الأمر بعد مع "قانون الأخبار الكاذبة"، وسيعود إلى البرلمان لمناقشته في الخريف القادم، وسط إجماع على ضرورة تحديث القانون الفرنسي في هذا الصدد. وشدد ستودر، وهو مقرر مشروع القانون المثير للجدل، على أن "القانون المتعلق بمكافحة ، يرمي إلى حماية الصحافيين والمؤسسات التي تُشغّلهم". ورأى أنه من أجل الوصول إلى قانون مقبول، "تمّ أخذ موافقة (مجلس الدولة)، المُسبَقَة، وهو الحريص على احترام الحريات العمومية".

وطَمْأن برونو ستودر في مقال له في صحيفة "لوموند"، معارضي القانون والمشككين فيه، بوجود قائمة الشروط المحددة التي يمكن أن تُطَمْئن من يرى فيها نصًّا تشريعيًا خطيرًا.
وشدّد المقرّر على ضرورة إبداء الثقة في القاضي، معتبرًا إياها إيجابية أولى، وذكَّر بهذا المستجد، "في الوقت الذي يحاول فيه (الإصلاح الدستوري)، المرتَقَب والذي تأجّل إقرارُهُ بسبب (قضية بنعلا)، تعزيزَ استقلالية القضاء". وهي رغبة لا يختلف حولها كثيرون.
ثم انتقل إلى الإيجابية الثانية، والمتعلقة بـ"توسيع صلاحيات المجلس الأعلى للسمعي البصري"، ما دام الأمر يتعلق بـ"تحصين اجتهاد المحاكم الإدارية وقدرتها على الحركة".

إضافة إلى مستجد إمكانية لجوء المجلس الأعلى للسمعي البصري، إلى رفع دعوى أمام قاضٍ (لا أن يصدر هو، أي المجلس الأعلى السمعي البصري، حُكماً) بخصوص قنوات تبثّ عبر الكابْل أو عن طريق إنترنت. علمًا أن السمعي البصري تقتصر دعاويه، في الوقت الحاضر، على "التلفزيون الرقمي الأرضي" والستالايت، وهو ما يعتبر شيئاً عفا عليه الزمن.

ثم انتقل المقرّر برونو ستودر إلى الإيجابية الثالثة، ويكشف الصورة التي سيكون عليها القانون في عصر الرقمنة، وهي أن "المُشرِّع يطالب بالتزامات من مختلف الفاعلين (من منصات، وإشهاريين، ومقدّمي خدمات الإنترنت، إلخ) بمكافحة ، وإلا فإن السمعي البصري سيتحدّاهم، سنوياً، وبصفة علنية".

وأشار المقرر إلى أن الجميع يعترف بأن هذه الإجراءات غير كافية، وهو ما يفرض على الاتحاد الأوروبي أن يفكر في الأشهر القادمة في وسائل تحديث الإطار التشريعي للمسؤوليات في ميدان الرقميات.

ورأى أن النموذج الاقتصادي للمنصات الكبرى يرتكز على الثقة التي يمنحها لها المستخدمون. و"لكنّ النكسة الأخيرة لفيسبوك في البورصة أبرزت أن هؤلاء العمالقة ليسوا بمنأىً من الهشاشة".

وأخيراً، يصل المقرر إلى الإيجابية الرابعة، وهي "تعزيز القانون في موضوع التربية في وسائل الإعلام وفي المعلومات"، وهو ما تعهد وزيرَا التربية الوطنية والثقافة الفرنسيان بإيجاد حلول مناسبة لهذا الطلب الذي يلح عليه المُشرِّع.

واعترف هذا المقرّر بأن "مشروع القانون ليس كافياً، ولن يلبي جميعَ الطموحات، وبشكل خاص شفافية الخوارزميات"، التي لا يسمح بها الإطار الأوروبي. وأضاف أن "تنظيم الرقمي سيكون موضوع أشغال قادمة، (أو أن الطريق التشريعي ليس مفضلا في الوقت الراهن)، خاصة في ما يتعلق بـإحداث (مجلس صحافة)، يمكن أن يحتكم إليه كلّ مواطن".

ولم يعفِ المقرّر أصحابَ المهنة من مسؤولياتهم، بل طالبهم بتحديدها والالتزام بها وبالتالي الإجابة عن مختلف الأسئلة التي يمكن أن تطرح في هذا الصدد: "لأنّ مهنيي المعلومات، الذين يستفيدون من بعض الامتيازات من أجل أداء مهماتهم، ومن بينها امتيازات ضريبية ومساعدات مقدَّمَة للصحافة، ودعم بريستاليس، إلخ، وهي مساعدات كبيرة، وتتجاوز 600 مليون يورو، يجب أن يتوفروا، كما هو شأن مهن أخرى، على وسائل إدارة أنفسهم".

وخلُص مسؤول "الجمهورية إلى الأمام" إلى أن إحداث "مجلس صحافة" أصبح ضرورة لا غنى عنها، خصوصا مع وجود قنوات إخبارية مستمرة ومباشرة على مواقع إلكترونية لوسائط الإعلام.
واعترف بأن فاعِلي الرقمي يمتلكون، في هذا المجال، قواعدَ صلبة من أجل تأسيس توصياتهم الخوارزمية، التي يتمنى من أعماقه لو يتضمنها القانون. ثم كشف امتعاض البعض، (وهم ربما الذين ثاروا حين انتقد رئيس الجمهورية معالجة حالة "بنعلا")، من المعالَجَة التي "ترتكز على استخدام الصيغة الشَّرْطيَّة، وهي ليست القاعدة في العمل الصحافيّ".

ثم أعاد المقرّر التذكير بشيءِ بدَهيّ، وهو "أن الصحافيين يمكن أن يخضعوا، أيضاً، للنقد، لأن حرية التعبير لا تسير في اتجاه واحد. وهو ما يعني أن الشيء السليم هو أنه يتوجب على الصحافي أن يردّ على هذه الانتقادات أمام أقرانه".

ولأن الوصول إلى معلومة حرة ومتعددة من الممكن البرهنة عليها، هو شيءٌ جوهريّ للديمقراطية، فإن المقرر ونائب "الجمهورية إلى الأمام"، يريد " والذين يحرّرونها ضد من يَحطّون من قيمتها وينهبونها". وختم بأن مشروع القانون "رهان مكافحة التلاعب بالمعلومات ورهان المفاوضات حول ما يتصل بها من حقوق لناشري الصحف".

كل هذا، يؤكد برونو ستودر، من أجل أن "تمتلك مهنة الصحافة قواعد سلوكها الأخلاقية الواضحة". وليس من شكّ في أن مشروع القانون سيمرّ بسهولة، ليس فقط لأن إيمانويل ماكرون يمتلك أغلبية ساحقة في البرلمان، بل وأيضاً لأنّ "قضية بنعلا" وتراكم معلومات خاطئة في شبكات التواصُل الاجتماعي، تدفع الحكومة للحركة، خصوصاً أن الانتخابات الأوروبية تقترب حثيثة.