تم إرسال طلبك بنجاح
المادة () : مذكرة إيضاحية بتحريم بعض عقود الغرر والجهالة في القانون المدني وتعديل بعض أحكامه بما يتفق مع الشريعة الإسلامية بسم الله الرحمن الرحيم بتاريخ 9 رمضان 1391 هـ الموافق 28/10/1971 م أصدر مجلس قيادة الثورة قراره التاريخي بجعل الشريعة الإسلامية مصدر التشريع في البلاد، ووضع بذلك الأساس المتين للبنيان التشريعي في الجمهورية العربية الليبية، وفتح الطريق للإصلاح الاجتماعي عن طريق شريعة الله - بعد أن تعثرت وأخفقت شرائع البشر - والتي ما زالت باعتراف علماء القانون من الشرق والغرب يختلف عليها الناس ويشوبها هوى النفس حيناً والقصور والعجز عن تحقيق المصلحة أحياناً - أما شريعة الله - فقد حكمت البلاد الإسلامية قروناً كانت فيها هذه البلاد تقود خطى الحضارة الإنسانية، وخاطبت هذه الشريعة الإنسان الفرد وحققت من خلاله مصلحة المجموع واستقرت أحكامها في نفوس المسلمين أخلاقاً وفي عقولهم إيماناً ويقيناً وفي سلوكهم تشريعاً وكفى بهذا تعديلا. ولقد كان من فضل الله على الأمة الإسلامية وعلى الجمهورية العربية الليبية بالذات، أن يتحقق أمل المسلمين في أن يحكموا بشريعة الله عز وجل وكان من توفيقه أن نهضت اللجان التي شكلها قرار مجلس قيادة الثورة لأداء الأمانة - وأنجزت بالفعل قانوناً أصدره مجلس قيادة الثورة في 27 ربيع الآخر 1392 هـ الموافق 9 يونيه 1972 م بتحريم ربا النسيئة في المعاملات المدنية والتجارية بين الأشخاص الطبيعيين وهو القانون رقم 74 لسنة 1972 م ولقد كان صدور ذلك القانون بمثابة وضع اللبنة الأولى في البناء بعد أن قام أساسه بقرار مجلس قيادة الثورة وسوف تتلوه إن شاء الله لبنات أخرى حتى يقوم البناء كاملاً وعالياً. ولقد بدأت اللجنة الفرعية لمراجعة القوانين المدنية والتجارية وقانون المرافعات - بعد أن انتهت من رفع ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية القطعية من القانون المدني فيما يتعلق بالربا بين الأفراد - في البحث عما يشوب أحكام القانون من عيوب تفسد العقد وتبطله بحسب أحكام الشريعة الإسلامية واختارت اللجنة أن تبدأ ببحث الكتاب الأول من القسم الأول من القانون المدني وهو كتاب الالتزامات (أو الحقوق الشخصية) وهذا الكتاب يتضمن الأحكام العامة للالتزام في مصادره وآثاره وأوصافه ونقله وانقضائه وإثباته - وتطبق أحكامه العامة هذه كلما خلا القانون من قاعدة تفصيلية في شأن عقد من العقود أو تصرف من التصرفات - إذ القواعد العامة في الالتزام هي الأساس في القانون المدني وتبدأ أحكام الالتزام بوجه عام من المادة 89 حتى المادة 406 ويلي ذلك كتاب العقود المسماة وقد رأت اللجنة أن تبحثه أيضاً إذ العقود التي أورد القانون المدني أحكامها قد فصل في شأن كل عقد منها - كعقد البيع أو الإيجار أو عقد العمل أو الكفالة - ما رآه حكماً خاصاً بالعقد ذاته وترك بقية الأحكام التي لم ينص عليها إلى القواعد العامة للالتزام لأن هذه القواعد هي التي تنضبط بها أحكام العقود جملة، وتغطي قدراً مشتركاً من أحكام هذه العقود - والتي تبدأ في كتاب العقود المسماة بالعقود الواردة على الملكية وهي البيع والهبة والشركة والقرض والدخل الدائم والصلح (المواد من 407 حتى 556) ثم العقود الواردة على الانتفاع بالشيء وهي عقد الإيجار والعارية (وتبدأ من المادة 557 حتى المادة 644) وبعد ذلك العقود الواردة على العمل وهي عقد المقاولة والتزام المرافق العامة وعقد العمل والوكالة والوديعة (وتبدأ من المواد 645 حتى المادة 738) وأخيراً عقود الغرر وهي عقود المقامرة والرهان والمرتب مدى الحياة وعقد التأمين (وتبدأ من المادة 739 حتى المادة 780) وأخيراً يفرد عقد الكفالة بالباب الأخير من كتاب العقود المسماة (وتبدأ أحكامه بالمادة 781 وتنتهي بالمادة 810 من القانون المدني). ولقد تبين للجنة الفرعية لتعديل القانون المدني والتجاري وقوانين المرافعات أن الأحكام العامة في الالتزام تشتمل على بعض النصوص التي تتضمن أحكاماً تخالف الشريعة الإسلامية مخالفة ظاهرة - فالشريعة الإسلامية لا تقتصر في تنظيمها للمعاملات المالية على تحريم الربا وحده، وإذا كان الربا هو الصورة الظاهرة في الشريعة الإسلامية لأكل أموال الناس بالباطل - فإن هناك صوراً أخرى لما يشوب العقود في الشريعة الإسلامية من عيوب تبطلها وتجعلها حراماً لا يصح عقدها ولا يترتب عليها آثارها الشرعية - والمثل الظاهر الذي يأتي بعد تحريم الربا هو عيب الغرر في العقود - ذلك أن الله تعالى قد حرم على المسلمين أكل أموال بعضهم بالباطل - وذلك بنص القرآن الكريم في سورة البقرة {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}. وهذا الحكم الذي أوردته الآية الكريمة هو المبدأ العام الذي قام عليه الفقه الإسلامي في موضوع المعاملات - وإذا كان الربا قد انفرد وحده بأشد النهي والوعيد فذلك لأنه كان معروفاً بصورته قبل نزول الإسلام وظل كذلك حتى طوال السنوات التسع التالية للهجرة حيث حرم تحريماً قاطعاً بقوله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربا} ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "ألا أن ربا الجاهلية موضوع كله وأول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب" وأمر صلى الله عليه وسلم الحاضر بإبلاغ الغائب. كما أن الربا أشد الصور نكراً في أكل أموال الناس بالباطل - وما اشتد النهي عنه والوعيد لمن يقتضيه إلا لذلك - ولكن الربا وغيره من عيوب التعامل والتعاقد بين الناس - كعيب الغرر في العقد - يجمع بينها جميعاً أنها من باب أكل أموال الناس بالباطل وهو ما اتفقت جميع المذاهب الإسلامية على تحريمه - فإذا تحقق الغرر في عقد من العقود وكان غرراً فاحشاً لا تدعو إليه الحاجة - كان الاتفاق على تحريمه وبطلانه. وكذلك فإن الجهالة قد تعيب العقود في الفقه الإسلامي فلا يصح عقد يجهل عاقده قدر المبيع فيه أو جنسه أو ثمنه ومتى تحققت الجهالة في العقد وكان لا يمكن رفعها ولا حاجة تدعو إليها فسد العقد - وباتفاق - عندما تكون الجهالة فاحشة مؤدية إلى النزاع إذ من مقاصد الشريعة الإسلامية منع النزاع والتغالب بين الناس فلا تصحح عقداً يعتوره الغرر أو الجهالة الفاحشة ولا تبيح للمتعاقد أن يخاطر بماله ويعرضه للضياع دون ضرورة أو حاجة في ذلك إذ القاعدة الشرعية أن الغنم بالغرم وهكذا يتعادل الناس ولا يكون أحدهم رابحاً الغنم كله والآخر خاسراً الغرم كله لأن من شأن ذلك أكل أموال البعض بالباطل ويتأتى منه التنازع والتغالب المنهي عنه شرعاً. لذلك فقد بحثت لجان تطبيق أحكام الشريعة ما يعيب أحكام الالتزام بوجه عام من عيوب اتفق الفقهاء المسلمون على أنها تفسد العقد وتبطله كعيب الغرر إذا كان فاحشاً ولا تدعو إليه حاجة ولا جرى به التعامل - وبحثت في هذا الصدد ما نظمه القانون المدني من عقود يدخلها الغرر كعقد الدخل الدائم (م 544) في إنشائه وأحكامه وعقد المقامرة والرهان (م 739، 740) وعقد المرتب مدى الحياة (م 741 إلى 746) وبحثت اللجنة كذلك ما يشوب بعض العقود من جهالة فاحشة تفسد العقد كحالة بيع الحقوق المتنازع عليها (م 458) وبيع التركة دون تفصيل مشتملاتها (م 462). كما وجدت اللجنة أن أحكام التقادم في القانون المدني والتي تبدأ من المادة (361) تجعل من أثر مضي المدة وتقادم الزمن سقوط الحق وهو أمر لا تقبله الشريعة الإسلامية إذا المقرر شرعاً أن الحق الثابت لا يسقط بتقادم الزمن، وما لا يستحق للشخص لا يصح اكتسابه بمضي المدة - وقد عرضت اللجنة لتعديل مواد التقادم في القانون المدني بما يتفق مع الشريعة الإسلامية فجعلت أثر التقادم قاصراً على منع سماع الدعوى وذلك مما أجازه الفقهاء وله حكمة ظاهرة على ما يأتي بيانه فيما بعد. وفي خصوص ما بحثته اللجنة الفرعية كان رائدها أن تنقي أحكام الالتزام بوجه عام وأحكام العقود المسماة مما يشوبها من عيوب تصادم الشريعة الإسلامية ولا تجيزها المذاهب الإسلامية المختلفة، وتركت بعد ذلك ما يتسع فيه وجه الخلاف أو حتى ما يضيق فيه الخلاف في بعض الأحيان لمرحلة أخرى من مراحل تعديل التشريع يكون فيه الهدف هو تقنين الشريعة الإسلامية فتعرض مذاهبها وتقلب وجوه الرأي فيها ويؤخذ منها الحكم بعد الموازنة والترجيح، ويترك المفضول إلى الأفضل، وذلك مما يحتاج إلى وقت وجهد يقدر بقدر الهدف، وهو منتهى الغاية في العمل بالشريعة الإسلامية وتطبيق أحكامها. وإذا كانت الموضوعات التي تجمع تعديل النصوص المقترح تعديلها في هذا المشروع بقانون هي موضوعات معروفة في الفقه الإسلامي عرض لها الفقهاء المسلمون بدراسة وافية - فسوف نعرض لكل موضوع منها لبيان القاعدة وأساسها وأثرها كقاعدة الغرر أو الجهالة أو منع سقوط الحق مع قياس ذلك على أحكام المواد التي جرى تعديلها، ثم تنتهي بعد ذلك بالتعليق على كل نص جرى تعديله بما يناسب المقام. أولاً: أحكام التقادم: كانت المواد من 361 حتى 375 تنص على أحكام التقادم كطريقة لانقضاء الالتزام (التعهد) دون الوفاء به - وذلك مما يصادم الشريعة الإسلامية التي لا تقر مبدأ سقوط الحق بمضي المدة. فالحق لغة هو الشيء الثابت والباطل ضده هو الشيء الزائل ولذلك فإن الشريعة لا تعرف المبدأ الذي تأخذ به غالب التشريعات الوضعية وهو سقوط الحقوق بمضي المدة - كما لا تعرف الشريعة من جهة أخرى اكتساب الحقوق بمرور الزمان فمن لا حق له في شيء لا يكتسب بوضع اليد عليه زماناً طال أم قصر إذ لاكتساب الحقوق وانتقالها بين الناس طرق مشروعة أباحتها الشريعة كالعقود والتصرفات والمواريث، وبذلك فإنه من كان عليه حق يلزم بوفائه شرعاً مهما تقادم العهد به ولا يحله من الوفاء مرور الزمان لأن حقه ثابت في ذمة مدينه - وذلك على خلاف ما تقضي به القوانين الوضعية التي تأخذ بنظام التقادم وتنص على سقوط الحقوق إذا مضت عليها مدة معينة دون مطالبة أو وفاء (نصوص القانون المدني الليبي من 361 إلى 373). غير أن ترك الباب مفتوحاً أمام الناس للادعاء بحقوقهم في أي وقت قد يترتب عليه العنت والمشقة إذ قد يهمل صاحب الحق حقه ويتركه دون مطالبة به عشرات السنين ثم يرفع دعواه وقد يقيمها ورثته بعد مدة طويلة مما يوقع في الاضطراب ويجعل حقوق الناس غير مستقرة وتهددها الدعاوى التي تستند إلى حقوق وديون مضت عليها عشرات السنين وتقادم العهد بها - ولذلك فإن الفقهاء أجازوا ألا تسمع هذه الدعاوى لدى القضاء - فهم قد منعوا سماع الدعوى فحسب دون أن يخرجوا على أصل قاعدتهم التي تستند إلى الشريعة وهي أن الحق الثابت في الذمة لا يحل زواله بمرور الزمن وأن الاغتصاب لا يولد حقاً بمضي المدة - وبنى الفقهاء المنع من سماع الدعوى على قاعدة شرعية هي جواز تخصيص القضاء بالمكان والزمان والنازلة. وتقتضي قاعدة تخصيص القاضي أنه يجوز لولي الأمر منع سماع الدعوى إذا مضت على النازلة سنين طويلة مع تمكن صاحب الحق من رفعها دون عذر ولو سمع القاضي الدعوى التي قيده ولي الأمر بعدم سماعها بعد مدة معينة لم ينفذ حكمه - وقد نقل عن بعض المذاهب ذلك. غير أن هذه القاعدة لا يعمل بها عند الإقرار بالحق من المدين مهما طال الزمن على الدين المدعى به - كما لا يعمل بها إذا طالب المدعي أي أقام دعواه أمام القاضي فتسمع ما لم يكن بين الدعوى الأولى والثانية المدة التي حددها ولي الأمر وقد ورد في بعض كتب الفقه أن هذه المدة خمس عشر سنة. (يراجع شرح التسولي المالكي ج 2 ص 255، البدائع للكاساني الحنفي ج 4 ص 356 الدر المختار شرح تنوير الأبصار الحنفي - مجلة الأحكام العدلية المواد 1661، 1662، 1663 وقد نصت المادة الأخيرة على أن المعتبر هو مرور الزمان الواقع بلا عذر كما لو كان المدعي صغيراً أو مجنوناً). غير أن الفقهاء المسلمين قد اعتبروا من القضاء الباطل القضاء بسقوط الحق كما ذكرنا لأن الحق لغة هو الشيء الثابت - وقد ورد ذلك في بعض كتب الفقه، من القضاء الباطل، القضاء بسقوط الحق بمضي سنين وما في المبسوط لا يخالف ذلك فإنه ليس فيه قضاء بالسقوط وإنما عدم السماع. (تكملة رد المحتار على الدر المختار الحنفي ج 7 ص 485، 486 ط سنة 1966 مطلب لا تسمع الدعوى بعد خمس عشرة سنة). وبذلك يكون تقرير سقوط الحق بمجرد تقادم العهد به مما يصادم الشريعة الإسلامية التي لا تعرف ذلك النوع من التقادم الذي يترتب عليه ضياع الحق الثابت - ولكن الشريعة تعرف منع القاضي من سماع الدعوى التي تمر عليها مدة طويلة ورد في بعض الكتب كما قدمنا أنها خمس عشر سنة، وهي نفس المدة التي كانت مقررة في القانون المدني (المادة 373) والتي كان يترتب عليها سقوط الحق نفسه - والمنع من سماع الدعوى قد أخذ به الفقه الإسلامي لنفس الحكمة التي دعت إلى الأخذ بالتقادم في القانون الوضعي - غير أن تعبير الفقه الإسلامي أدق ووجهته أسلم، إذ راعى المصلحة وحدد وسيلة حمايتها بمنع القاضي من سماع الدعوى التي يمضي عليها الزمان - مع الإبقاء على قاعدة أصولية لا مفر من الاعتراف بها شرعاً وهي أن الحق الثابت لا يزول بمضي المدة وبذلك يكون تعديل مواد القانون المدني في خصوص التقادم على مقتضى الفقه الإسلامي كما يأتي بعد - يدرك به حكم الشرع وتتحقق به المصلحة. ثانياً: الجهالة الفاحشة: والمادتان 458 مدني 462 يتعلق الحكم الوارد فيهما بمسألة الجهالة الفاحشة والغرر أيضاً - إذ يدخل فيه جهالة المعقود عليه كما لو كان مقداره غير معلوم فيشترط لصحة العقد العلم بالمعقود عليه بأن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين - ولم تجز الشريعة بيع شيء لا يعلم قدره ولا صفته ومثاله أن يكون المبيع مكوناً من جملة أشياء لا تعرف مفرداتها ولا قدرها ولا يمكن بالتالي معرفة قيمتها وبذلك يكون الغرر الفاحش إذ الجهالة في قدر المبيع تؤدي إلى أن يدفع المشتري ثمناً قد يظهر بعد ذلك أنه عظيم القدر إلى جانب المبيع الذي تبين قلته وعدم تكافئه مع الثمن فمن يشتري عدة أشياء غير محددة جملة واحدة لا يستطيع أن يقدر ثمنها ويكون احتمال الكسب العظيم أو الخسارة الكبيرة قائماً بسبب الجهالة الفاحشة في المبيع. ومتى كانت الجهالة فاحشة فإنها تؤدي عادة إلى النزاع والشقاق ولذلك تحرم الشريعة هذا النوع من البيوع، إذ يشترط الفقه الإسلامي في جملته أن يكون محل العقد معيناً أو على الأقل قابلاً للتعيين بحيث لا يكون فيه جهالة فاحشة - ويشتد الفقه الإسلامي في ذلك أكثر من القاعدة التي يأخذ بها القانون الوضعي فيجب تعيين الشيء بصفته إن كان غائباً عن مجلس العقد أو برؤيته حتى يحصل العلم به ويجب بيان جنسه ونوعه ومقداره عند المالكية وبيان صفاته التي تضبطه عند الحنفية، كما يجب ذلك عند الشافعي في قوله القديم وبرؤية الشيء في قوله الجديد والغرض من ذلك كله ألا تكون هناك جهالة فاحشة في المبيع ذاته أو في صفاته أو جنسه أو نوعه أو مقداره تؤدي إلى الشقاق والنزاع. (يراجع كتاب البدائع الحنفي ج 5 ص 156 - 158. الحطاب المالكي ج 4 ص 296 - 300) المهذب الشافعي ج 1 ص 263/266، الشرح الكبير ج 4 ص 29 - 39) (الفروق للقرافي المالكي ج 3 ص 265/266 بداية المجتهد لابن رشد ص 129/131). والغرض من هذا التشدد في الفقه الإسلامي هو ما في هذه البيوع من الغرر ذلك أن عدم تعيين الشيء يجعل الإقدام على شرائه أو بيعه مخاطرة وتستهدف الشريعة في تنظيم العقود دائماً حماية الأموال إذ المجازفة نوع من المقامرة وقطع أسباب النزاع والشقاق واجب لمنع التباغض والتشاحن وإشاعة السلام والوئام بين الناس. ولذلك فإنه يكون من المتعين تعديل نصوص المواد التي تضمن غرراً ظاهراً وفاحشاً ولا تدعو الحاجة إليه ما دام أمر تحريم هذه العقود مستقراً في الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه. ذلك أن ما ورد في القانون المدني في المادة 458 من جواز بيع الحق المتنازع عليه يتضمن غرراً ظاهراً إذ لا يلجأ إليه الشخص إلا إذا كان على خوف من عدم وصول الحق المتنازع عليه إليه أو يكون الوصول إليه بعد نفقه وجهد تجعل قيمته يسيرة فيتخلص منه ببيعه لغيره وقد لا يدري المشتري حقيقة النزاع وأسانيده فيشتري ما لا يعرف وصوله إليه أو امتناعه عليه - وهذا البيع تعتوره الجهالة الظاهرة ولا حاجة تدعو إليه فيكون محظوراً شرعاً - وما كان يبيحه القانون المدني من حالات استثنائية وردت في المادة 459 من القانون يصح في النظر والشرع أن يبقي عليه لأن هذه الحالات الغالب فيها أن بيع الشيء المتنازع عليه يترتب عليه انتهاء النزاع وهو أمر مطلوب في الشريعة على خلاف بيع الحق المتنازع فيه لأجنبي عن المتنازعين إذ أن البيع الأخير يخلق النزاع ويؤدي إليه، بينما بيع الحق المتنازع عليه بين الورثة أو بين المدين ودائنه أو تبعاً لحق أصلي من شأنه إنهاء النزاع وقطع الطريق إليه. وكذلك ما كانت تنص عليه المادة 462 مدني من جواز بيع التركة لأجنبي كان يتضمن الغرر الظاهر إذ كان حكم القانون هو جواز بيع التركة أو جزء منها لأجنبي دون تفصيل مشتملاتها. وذلك بلا شك غرر ظاهر وفاحش ومحرم شرعاً - أما بيع الورثة لبعضهم أنصبتهم حتى دون بيان مشتملاتها بطريق التخارج أمر لا جهالة فيه وإذا قامت الجهالة كانت يسيرة لأن المفروض أن الوارث يعرف على الأقل ملاءة مورثه أو إعساره كما يعرف عناصر التركة ومفرداتها لصلته بمورثه - أما الأجنبي فإنه يشتري بلا تحديد ولا يعرف ما إذا كان ما يشتريه يخلص إليه أو يكون محملاً بحقوق الغير وما إذا كان يتعادل مع ما يدفعه أو يقل عنه وكل ذلك غرر ظاهر لا تدعو إليه حاجة ولا تسوغه ضرورة. ثالثاً: الغرر:- والمواد 544 وما بعدها في شأن الدخل الدائم. 741 وما بعدها في المرتب مدى الحياة يتعلق حكمها بالغرر - وهو لغة الخطر. والمخاطرة هي فعل الشخص ما يكون فيه الخوف أغلب، والغرر ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه - وعرفه بعض الفقهاء المسلمين بأنه ما يكون مستور العاقبة - أي لا يعلم مآل الأمر فيه - وعرفه البعض الآخر بأنه الشك في وجود المبيع - وكذلك التردد بين أمرين أحدهما على الغرض والثاني على خلافه - فيحتمل الغرر بذلك أمرين أغلبهما أخوفهما، وهو في تعريف البعض من الفقهاء التردد في وجود المبيع أو إمكان قبضه وهذه التعريفات جميعها والمأخوذة من مذاهب الفقه الإسلامي كلها - تكشف عن معنى الغرر فهو بمعنى الإيهام والتوريط والمخاطرة وقد حرم الإسلام على الشخص أن يخاطر بماله ويكون ذلك طمعاً منه في أن ينال غنماً بلا غرم وربحاً بلا خسارة، ومثال ذلك الواضح في المقامرة أو الرهان حيث يدفع الشخص بماله مع الخوف عليه واحتمال ضياعه - طمعاً في المغنم دون المغرم- والكسب بلا جهد ولا مشقة - وترقباً لخسارة غيره بلا تقصير ولا غنم عاد عليه وبذلك فإن الغرر أو المخاطرة في العقود جدير بالنهي عنه وإبطال العقد الذي يلتبس به ويقوم على أساسه. ( يراجع في تعريف الغرر المبسوط للسرخسي الحنفي وج 11 ص 193 حاشية ابن عابدين الحنفي ج 4 ص 174 حاشية الدسوقي المالكي ج 3 ص 49 ونهاية المحتاج الشافعي ج 3 ص 362، الفتاوى لابن تيمية الحنبلي ج 3 ص 275، البحر الزخار الشيعة الزيدية ج 3 ص 309 المحلي لابن حزم الظاهري). ومتى كان الغرر بالمعنى الذي سلف بيانه. فإنه يدخل حتماً في نطاق النهي الذي أوردته الآية الكريمة {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} وما يترتب على هذا النهي هو تحريم أكل أموال الناس بالباطل سواء كان وسيلة ذلك عقداً من العقود أو تصرفاً من التصرفات لأن تحريم النتيجة يستتبع تحريم ما يقضي إليها - فالعقود أسباب جعلية شرعية لاكتساب الحقوق ونقلها بين الناس فلا تصبح طريقاً لأكل أموالهم بالباطل واغتيال حقوقهم التي نظم الشارع الحكيم وسائل اكتسابها ونقلها بين الناس. ولذلك اتفق المفسرون على أن الغرر المنهي عنه يدخل في عموم الآية التي نهت عن أكل المال بالباطل - فالباطل ما لا يحل شرعاً ولا يفيد مقصوداً. ومع دلالة الآية الكريمة بإجماع المفسرين على تحريم الغرر والنهي عنه فقد أوردت السنة المطهرة تحريم الغرر لفظاً - وقامت على ذلك نصوص السنة بعد أن أجمل الكتاب العزيز تحريمه معنى. فقد روي عن أبي هريرة أن النبي صلوات الله عليه وسلامه نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر - رواه الجماعة إلا البخاري. وبيع الحصاة كان معروفاً في الجاهلية وهو أن يتحدد المبيع من غيره مما يشابهه بحصاة تسقط عليه يلقيها المشتري فيلتزم بالشراء. وعن ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر" وهذه الرواية تفيد لفظ الرسول صلوات الله عليه وسلامه والرواية الأولى حكاية لما صدر منه. والمعنى واحد وإن اختلف وجه الاستدلال. وكذلك ورد النهي في السنة عن بيوع عديدة عدها العلماء من قبيل الغرر كالنهي عن بيع ما في ضروع الأنعام قبل أن تحلب والنهي عن بيع ما في بطونها وورد النهي عن بيع السمك في الماء - وكل ذلك جامعه الغرر الذي فيه، إذ يحتمل الأمر وجود المبيع أو عدم وجوده كما يحتمل عدم معرفة مقداره وهو ما يؤدي إلى النزاع وضياع المال بالباطل ولذلك نهى النبي صلوات الله عليه وسلامه عنه فقد ورد النهي "عن بيع ما في ضروع الماشية قبل أن تحلب وبيع ما في ضروعها إلا بكيل وعن شراء العبد وهو آبق وشراء المغانم حتى تقسم وشراء الصدقات حتى تقبض وعن ضربة الغائص (وهو من يغوص في البحر ويماثل ذلك ضربة القانص في الصيد ونتيجة ذلك لا تعرف إذ لا يدري المشتري ما إذا كان يخرج من البحر أو ينال الرامي شيئاً من الصيد). كما روي عن أنس رضي الله عنه نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المخاطرة رواه البخاري. فالنهي عن بيع الغرر ثابت على وجه لا شبهة فيه وجاء النهي في عمومه في الكتاب الكريم وبينت السنة المطهرة بعض أنواعه - فالنهي عنه لا خلاف فيه وقد أجمع عليه فقهاء المذاهب الإسلامية وفهموا منه أنه نهي عن كل بيع يغلب عليه ويوصف به. (يراجع نيل الأوطار للشوكاني/ ج 5 ص 147. المنتقى شرح الموطأ المالكي ج 5 ص 41 النووي على صحيح مسلم ج 3 ص 4 الأم للشافعي ج 3 ص 31) ومن المقرر فقهاً أن النهي عن عقد يقتضي تحريمه ما لم تدل القرائن على غير التحريم كالكراهة ولكن أكثر الفقهاء المجتهدين على أن صيغة النهي تدل على التحريم لأن القاعدة أن من يأتي العمل الذي ورد النهي عنه يرد عليه بنص الحديث الشريف "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". والواضح أن النهي العام الذي ورد في القرآن الكريم عن أكل أموال الناس بالباطل والذي يدخله الغرر حتماً يقتضي التحريم والحظر - ومقتضى ذلك بطلان العقد المشوب بالغرر وعدم ترتب آثاره عليه ويدل على ذلك أن النهي عن بيع الغرر تعددت طرقه وكذلك ما عهد من الشارع من حياطة الأموال وحفظها وجعل المال من الضرورات الخمس التي تقوم عليها حياة الناس فضلاً عما يسببه وجود الغرر في العقد من نزاع وشقاق بين الناس كل ذلك قاطع في أن الضرر الفاحش بلا ضرورة أو حاجة تدعو إليه يكون العقد الذي يغلب فيه ويوصف به محرماً لا يجوز اكتسابه ولا تترتب عليه آثاره ولا يعرف في ذلك خلاف في المذاهب الإسلامية كلها. (يراجع فتح الباري ج 4 ص 284 - الإحكام للآمدي ج 2 ص 275 أصول السرخسي ص 82). على أن الفقهاء المسلمين في المذاهب الإسلامية قد اختلفوا في شأن بعض البيوع وهل تعد من بيوع الغرر أم لا تعد منه - كما اختلفوا كذلك في ضابط الغرر وهل يبطل العقد للغرر أياً كان قدره أم لا يبطل للغرر اليسير - وكل ذلك لا تأثير له على أمور سبق بيانها وهي صحة النهي عن بيوع الغرر وأن هذا النهي يقتضي الحظر والتحريم وأن الغرر الكثير أو الفاحش لا يمكن إجازته بحال. وقد حاول بعض الفقهاء وضع ضابط للغرر الذي لا خلاف على تحريم العقد الذي يلتبس به ويغلب عليه - فقال البعض أن الغرر اليسير ما لا يكاد يخلو منه عقد - أما الغرر الكثير فتخلو منه غالب العقود وأعمها - وذكر البعض أن الغرر الظاهر ما يمكن الاحتراز منه أما الغرر اليسير فهو ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز منه - وقسم القرافي المالكي الغرر إلى أقسام بحسب قدره ونتيجته فالقسم الأول ما لا يحصل فيه المعقود عليه أصلاً والثاني ما يحصل فيه المعقود عليه نزراً والقسم الثالث ما يحصل منه غالب المعقود عليه - وهذا الأخير هو وحده الذي يكون غرراً يسيراً لا يبطل العقد. غير أن الفقيه الحنبلي ابن القيم قد وضع ضابطاً للغرر يصح أن يحتكم إليه في شأن النهي عن الغرر فقد ذكر أن الغرر يجب أن يترك تقدير الكثير منه والقليل إلى عرف الناس وما يجرى في معاملاتهم وسلامتها من الشقاق والنزاع وأن ذلك ليس من شأن الفقيه المجتهد وإنما هو من شأن أهل الخبرة وهذه القاعدة هي التي ينبغي الأخذ بها لتعدد العقود التي قد يشتبه في وجود الغرر فيها في هذا العصر ولأن إدراك ما في العقد من غرر ووصفه بالكثرة أو بالقلة يقتضي أن يكون الفقيه على علم بأحكام العقد وما يجر إليه من نزاع وشقاق وما يغلب وقوعه بين الناس بسبب هذه العقود ويكون ذلك هادياً في الحكم بحظره أو إباحته. (يراجع تهذيب الفروق ج 1 ص 7 القواعد الفقهية ص 123 وما بعدها، النووي على صحيح مسلم، نهاية المحتاج الشافعي ج 3 ص 392، العناية على الهداية الحنفي ج 5 ص 193، القوانين الفقهية لابن جزي ص 256). ومما لا يخفى وجه الغرر فيه المقامرة والرهان وقد أبطلهما القانون المدني كقاعدة عامة فكانت القاعدة في المادة 739 في إبطال عقود المقامرة والرهان تتفق مع الشريعة الإسلامية التي تحرم جميع صور المقامرة لأنها تقوم على الغرر ولا وجه للخلاف فيها - أما الرهان فمنه صور جائزة شرعاً كانت تتعداها المادة 740/1 إلى ما لا يجوز شرعاً - كما كانت في فقرتها الثانية تجيز المقامرة في صورة أوراق اليانصيب ولا وجه لهذا الاستثناء مطلقاً في الشريعة الإسلامية. والرهان الذي تجيزه الشريعة الإسلامية هو الذي أشار إليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا سبق إلا في حافر أو خف أو نصل) بمعنى أنه لا يجوز المراهنة على السبق نظير جعل للفائز إلا في هذه الأشياء والحكمة واضحة من إجازة السباق مع الجعل في هذه الأشياء بالذات فهي تعين على قوة المسلمين - وصورة الرهان الجائزة أن يجعل أحد المتبارين للسابق منهم جائزة ينالها ولا يصح أن يدفع كل متسابق جعلاً يناله كله الفائز لأنه بذلك يكون أكلا لمال الناس بالباطل - كما يجيز الفقه الإسلامي أن يكون الجعل للفائز من أجنبي تبرعاً منه للفائز ومثال ذلك كما لو كان الجعل للفائز من أجنبي تبرعاً منه للفائز. ومثال ذلك كما لو كان الجعل للفائز من ولي الأمر تشجيعاً لنوع معين من الرياضة أو الثقافة مثلاً إذ يكون الأمر خالياً من شبهة أكل أموال الناس بالباطل - وقد تميزت الشريعة الإسلامية بأمر آخر لم تلحق بها في شأنه القوانين الوضعية إذ قيد الفقهاء المسابقة بألا تكون في الأعمال الخطرة وهو قيد مبناه اعتبار الكرامة الإنسانية والحرص على حياة الإنسان - كما أن الفقهاء مدوا المسابقة التي يجوز فيها الجعل إلى مسابقة السفن والمصارعة لأنها تؤدي إلى زيادة قوة المسلمين ومنعتهم. والضابط الذي وضعه الفقه الإسلامي في موضوع الرهان المتعلق بالمسابقات على وجه العموم هو ألا يكون أحد المتسابقين غانماً الغنم كله والآخر خاسراً الغرم كله لأن الغنم بالغرم إلا أن يخلص الأمر إلى التبرع الخالص فيخلو من أكل أموال الناس بالباطل. (يراجع في شأن قاعدة التسابق والرهان في الفقه الإسلامي المغني ج 8 ص 654 - حنبلي، ابن عابدين ج 5 ص 355 - حنفي - حاشية الشرقاوي على شرح التحرير ج 2 ص 373، 375 رد المحتار ج 6 ص 354). ولا تجيز الشريعة أن يتراهن غير المتسابقين فيدفع كل من يشاهد مسابقة مبلغاً من المال يؤول كله إلى من يحدد الفائز في المسابقة - وذلك كالمراهنات على سباق الخيل وعلى مباريات كرة القدم بين المتفرجين، لأن من ينال مبلغ الرهان كله لا شك أنه يكون قد أكل أموال الناس بالباطل- ومثال ما تقدم أوراق اليانصيب فلا وجه في الفقه الإسلامي لجواز هذه المعاملة - لأنها من القمار المحض إذ يدفع الشخص مبلغاً ضئيلاً ويشتري به الورقة التي تعرض عليه وينتظر أن يأتي له الحظ بجائزة كبيرة لا تناسب مع ما دفعه ثمناً لشراء الورقة ويضيع على آلاف الناس ما دفعوه من ثمن هذه الأوراق يأخذ جانباً منه من يفوز بجائزة اليانصيب وتربح الجانب الأكبر الجهة التي تصدر الورقة - وهذا النوع من التعامل قدم إلينا من الغرب ضمن ما قدم من سيئاته في ضروب المعاملات المالية - وهو فضلاً عما فيه من قمار وغرر ظاهر فاحش لا وجه للتسامح فيه يحمل معنى النفاق الأخلاقي إذ يتظاهر الشخص الذي يشتري الورقة ويدفع مبلغاً ضئيلاً من المال بأنه يتبرع للخير لصالح الجهة التي أصدرت الورقة مع أنه في قرارة نفسه يتحرق شوقاً إلى أكل مال من شاركوه الطمع في نيل الجائزة. ولا شبهة أيضاً في توفر الغرر الكثير الفاحش في عقد المرتب مدى الحياة أو عقد الدخل الدائم إذا كانا بعوض إذ تنطبق عليهما قاعدة الغرر الذي يجعل العقد محظوراً شرعاً. ولا يذهبن ظان إلى تحريم عقد المرتب مدى الحياة إذا كان بعوض في المادة 741/1 لا يتفق مع بقاء عقد التأمين في القانون - وقد ورد الاثنان تحت باب الغرر فيه - وتتابعا في مواده - وتشابهت بعض عناصرهما - فهذا الظن قياسي مع الفارق وجري وراء الظواهر. ولذلك أبقت لجنة تعديل القانون المدني بحث عقد التأمين لجولة أخرى تشاركها فيها نخبة من علماء المسلمين تعرض لهذا العقد بالبحث وتتخذ فيه رأياً بعد تقليب أوجه النظر وتبادل الرأي فيه - وهذه الجولة - قريبة إن شاء الله - بحسب ما وجه مجلس قيادة الثورة ويجري العمل من أجل إتمام إجراءاتها بالاتصال بالعلماء الذين يقع عليهم الاختيار للمشاركة في البحث والرأي. وعقد التأمين يختلف عن المرتب مدى الحياة في أن العقد الأول تجريه شركات أممت الدولة في ليبيا جانباً من ملكيتها بمقتضى القانون رقم 56 لسنة 1970 م ثم أممت شركات التأمين تأميماً كاملاً طبقاً للقانون رقم 81 لسنة 1971 م وتخضع هذه الشركات في معاملاتها لإشراف الدولة ورقابتها طبقاً للقانون 131 لسنة 1970 م بالإشراف والرقابة على شركات التأمين. وتعتمد هذه الشركات على نظم وأجهزة تكفل حقوق المستفيدين من عقد التأمين وتكفل نجاح الشركة في تحقيق أغراضها - على خلاف عقد المرتب مدى الحياة - والذي يجوز أن يعقده فرد مع آخر - فأشبه أن يكون قماراً. وشتان بين من يطلب الأمان أو تخفيف أثر ما يلم به من النوازل ويجد حاجته عن جهاز يكفلها له وبين من يطلب الكسب الذي تأتي به الفرص وتسوقه الحظوظ - وكذلك فإن عقد التأمين بأنواعه جميعها جرى تعامل الناس به واستقر في نظام حياتهم وأصبح فيه حاجة لهم - والحاجة تنزل منزلة الضرورة عند بعض الفقهاء من الحنفية والعرف يرشد إلى الحكم الشرعي ويعمل به. وأخيراً فإن النزاع في شأن عقد التأمين بين من يتعاملون به غير ظاهر بل الظاهر خلافه من تعاون على تبادل المنافع. وبمثل ما تقدم وأكثر منه ذهب بعض الفقهاء المحدثين إلى إجازة عقد التأمين وكان لرأيهم صدى في توصيات ندوة التشريع الإسلامي التي انعقدت في البيضاء في الفترة من 6 مايو إلى 11 مايو 1972 م وقد خصت هذه الندوة عقد التأمين بتوصية مالت فيها إلى إبقائه مع السعي في تخليصه مما قد يشوبه. ومشروع القانون المرافق ينص في المادة الأولى على أن يستبدل بسبعة عشر نصاً من نصوص القانون المدني نصوص أخرى أوردها المشروع - وهذه النصوص المستبدلة منها ما يتعلق بموضوع التقادم وهي المواد 361، 362، 363، 364، 365، 366، 372، 373 ومنها ما يتعلق بحكم الجهالة في عقد البيع وهي المواد 458/1، 462 أما المادة 540 فتتعلق بموضوع العيوب الخفية في القرض، والمادة 544 كانت تنص على إنشاء الدخل الدائم - أما المادة 740/1 فكانت تنص على حكم الرهان المتعلق بالمسابقات الرياضية، والمواد 741، 744، 746 كانت تنظم المرتب مدى الحياة ويتعلق حكم المواد 544، 740، 741، 744، 746 بموضوع الغرر. وقد أسلفنا بيان القاعدة الفقهية في الموضوعات السالف ذكرها. وتقضي المادة الثانية من المشروع بإلغاء نصوص المواد 545، 546، 547/1، 739/2، 740/2 من القانون المدني - وقد اقتضى التعديل في المادة الأولى إلغاء أحكام المواد سالفة الذكر على ما سيأتي بعد. ولقد كانت المادة 361 مدني في موضوع التقادم تقضي بانقضاء الالتزام كقاعدة عامة بمرور خمس عشرة سنة - ولما كانت الشريعة الإسلامية لا تعرف انقضاء الحقوق بالتقادم وإنما تجيز فقط عدم سماع الدعوى إذا قيد ولي الأمر القاضي بعدم سماعها بعد مدة معينة فقد نص المشروع على أن التقادم لا يرد على الحق ذاته وإنما يرد على دعوى المطالبة بالالتزام فحسب. وكانت المواد 362، 363، 364، 365 تحمل جميعاً استثناءات على القاعدة المتقدم ذكرها والتي نص عليها القانون المدني في المادة 361 وكانت هذه الاستثناءات تتعلق بنوع من التقادم القصير للحقوق كانت مدته خمس سنوات للحقوق الدورية المتجددة وكذلك بالنسبة لحقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء وغيرهم - طبقاً للمادتين 362، 363 كما كانت المادة 364 تجعل تقادم الحق في الضرائب والرسوم المستحقة للدولة بمضي ثلاث سنوات وكذلك بالنسبة لرد ما دفع منها بغير حق وكانت المادة 365 تحمل استثناء من القاعدة العامة في مدة التقادم فتجعل بعض الحقوق تتقادم بسنة واحدة نص عليها في البندين أ، ب من الفقرة الأولى من المادة ونص في الفقرة الثانية على تأكيد حكم التقادم باليمين المتممة يحلفها من يتمسك بهذا التقادم القصير ويوجهها القاضي من تلقاء نفسه. واقتضى التعديل في المواد 362، 363، 364، 365 أن يكون التقادم وارداً على الدعوى بالحق أو المطالبة به ولا يرد على الحق ذاته - وأدخل تعبير تقادم الدعوى أو تقادم دعوى المطالبة في المواد سالفة الذكر بدلاً مما كانت تنص عليه من تقادم الحقوق ذاتها التي عددتها هذا المواد لأن تقادم الحقوق ذاتها أمر لا تقبله الشريعة الإسلامية ولأن تقادم الدعوى يجيز عدم سماعها - وهو الحكم الذي نص عليه التعديل في المادة 373 مدني كأثر للتقادم. وكانت المادة 372 وهي تعالج آثار انقطاع التقادم وبدء تقادم جديد تنص على حالة الحكم بالدين إذا أصبح نهائياً - وعلى حكم الإقرار بالدين الذي يتقادم بسنة واحدة وانقطع تقادمه بإقرار المدين - وذلك في الفقرة الثانية منها وقد اقتضى التعديل إعادة صياغة الفقرة الثانية من المادة وأفرد لكل حالة من الحالتين (حالة الحكم النهائي بالدين - وحالة انقطاع التقادم القصير بسنة واحدة بإقرار المدين) فقرة خاصة بها - وأصبحت المادة 372 تتكون من ثلاث فقرات تنص الأولى منها على حكم الانقطاع بصفة عامة وبدء تقادم جديد مدته نفس مدة التقادم القديم، وتنص الفقرة الثانية على حالة إقرار المدين بدين مما يتقادم بسنة واحدة فينقطع التقادم بإقراره وتكون مدة التقادم للدعوى بهذا الحق خمس عشرة سنة والتقادم هنا كما في النصوص السابقة يرد على الدعوى فقط، وأصبح نص الفقرة الثالثة يعالج حالة الحكم نهائياً بالدين فقرر عدم جواز التنفيذ بالحكم بعد مضي خمس عشرة سنة - وأصبح التقادم لا يرد على الحق ذاته وإنما على إجراءات التنفيذ بالحكم الصادر بشأنه ومن الطبيعي أن ذلك لا أثر له على الحق ذاته إذ يجوز أن يوفي به المدين طوعاً قبل اتخاذ الإجراءات لتنفيذ الحكم ولو بعد خمس عشرة سنة - كما يجوز للدائن أن يقيم دعوى أخرى للحصول على حكم آخر بدينه ويحكم بالدين مرة أخرى ما لم يكن يدفع الدائن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها. وبالنسبة للمادة 373 مدني فقد كانت تنص على أثر التقادم على الالتزام وكانت تورد بصراحة أنه يترتب على التقادم انقضاء الالتزام ومعنى ذلك أن التقادم يعد طريقة لانقضاء الالتزام ولو لم يوف به المدين وإن كان يتخلف في ذمة المدين التزام طبيعي - وقد عدل نص هذه المادة في فقرتها بحيث نص على أنه يترتب على التقادم عدم سماع الدعوى بالالتزام - وهو التعبير الشرعي ونص على إبقاء التزام المدين في ذمته ديانة أخذاً بالتعبير الشرعي أيضاً وهذا الحكم يتفق مع الشريعة الإسلامية وإن كان الالتزام بعد تقرير عدم سماع الدعوى لمضي المدة يبقى في الذمة ديانة ويأثم المدين إذا لم يوف بالتزامه حتى ولو حكم بعدم سماع دعوى الدائن - إذ الوفاء بالدين أمر شدد فيه الشارع الإسلامي ولم يجز للمدين أن يتخلص منه ظلماً بعدم الوفاء حتى ولو طال عليه الزمن فيبقى الدين في ذمة المدين بل أنه عند وفاته دون وفاء الدين يظل مرتهناً بدينه كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "الميت مرتهن بدينه" ويستفاد من هذا الحديث الشريف تشديد الشرع في وجوب الوفاء بالدين - وهذه هي القاعدة العامة في الشريعة - وإنما أجاز الفقهاء أن يقيد القاضي بعدم سماع الدعوى إذا مضت عليها مدة معينة من باب رفع الحرج والعمل على استقرار الحقوق بين الناس فضلاً عما هو مشاهد من أن سكوت صاحب الحق عن حقه مدة طويلة يحمل على ضعف هذا الحق وجواز أن يكون قد حدث الوفاء به. وقد أبقى التعديل على المدد التي كان منصوصاً عليها في موضوع التقادم إذ بقيت القاعدة العامة أن مدة التقادم (التي تجيز عدم سماع الدعوى) خمس عشرة سنة - كما أن الحقوق المذكورة في المادتين 362، 363 ظلت مدة التقادم في الدعاوى المتعلقة بها - خمس سنوات - وكذلك الشأن في التقادم بثلاث سنوات في دعاوى الحقوق المنصوص عليها في المادة 364. وفي التقادم سنة واحدة للدعاوى المتعلقة بالحقوق المذكورة في المادة 365. وأساس بقاء المدد ذاتها التي كان منصوصاً عليها في القانون أن القاعدة في تحديد القاضي في ولايته بالزمان والمكان والنازلة تجيز وضع مدة للتقادم يفوض أمرها إلى ولي الأمر ويحددها بناء على المصلحة - ولا شك أن المدد التي كانت تنص عليها المواد 361، 362، 363، 364، 365 قد بينت على طبيعة كل نوع من أنواع الحقوق المذكورة فيها وما هو شاهد في شأنها من جريان العرف عل المسارعة بطلبها فتكون مدة التقادم في الدعوى يسيرة كسنة واحدة في المادة 365 أو جريان العرف على إمهال المدين فتكون مدة التقادم خمس عشرة سنة فضلاً عن أن الشأن في الحقوق التي تتقادم الدعاوى بها بمدة يسيرة هي حقوق يغلب ألا تكون عالية القدر. وبالنسبة للمادة 458/1 التي كانت تجيز بيع الحق المتنازع فيه أو التنازل عنه في فقرتها الأولى - فإن هذا البيع أو التنازل كان يتضمن ولا شك غرراً وجهالة فاحشة إذ الغالب ألا يحدث هذا التنازل أو البيع لشخص يبتغي به بيعاً خالياً من النزاع والشقاق وإنما قد يبتغي به الحصول على الشيء المبيع بثمن بخس نظراً للنزاع الذي يحوطه والذي يجعل قيمة الحق ذاته محل شك إذ يجوز أن يسفر النزاع عن خسارة للحق كله أو تقليل قيمته وعندئذ يكون الغرم على مشتري الحق أو المتنازل عنه له نظير مال وقد يسفر النزاع على الحق عن اكتسابه أو زيادة قيمته فيكون المشتري غانماً بسبب ما تأتي به نتيجة النزاع - وهذه الجهالة أو الغرر في قدر المبيع وقيمته لا تجيزها مذاهب الشريعة كلها لأنها جهالة فاحشة يترتب عليها النزاع والشقاق ويكون قدر البيع وقيمته على خطر الفوات كلية أو الجانب الأعظم منه فلا يتسامح في هذه الجهالة ولا تجيزها الشريعة - فضلاً عن أن المشاهد أن هذه البيوع لا تدعو إليها الحاجة ولا يبررها شيء من جريان التعامل بها بين الناس أو قلة النزاع المرتب عليها مع وجود الجهالة - ومتى كانت الجهالة فاحشة كان بطلان العقد الذي تلتبس به متعيناً - ولذلك نصت المادة 458/1 على قاعدة عدم جواز بيع الحقوق المتنازع عليها وتركت الفقرة الثانية من المادة كما هي لأنها تعرف الحق المتنازع فيه وهذا التعريف لازم لبيان ما يقع عليه حكم الفقرة الأولى من عدم الجواز، كما رؤي الإبقاء على الحالات الاستثنائية التي نصت عليها المادة 459 لأن من شأن هذه الحالات أن يؤدي بيع الحق المتنازع فيه إلى إنهاء النزاع في شأنه على خلاف غيرها إذ يؤدي التصرف ذاته إلى خلق النزاع والشقاق. وكذلك نص التعديل في المادة 462 على عدم جواز بيع التركة إلا بعد تفصيل مشتملاتها أو بطريق التخارج بين الورثة - والواقع أن المادة 462 قبل تعديلها كانت تفترض جواز بيع التركة أو جزء منها لأجنبي وتحدد في هذه الحالة ضمان البائع بأنه مجرد ثبوت وراثته وذلك كقاعدة عامة - وهذا الضمان في الواقع يكشف عن مقدار ما كان يحتمله هذا البيع من جهالة فاحشة وغرر كثير لأن بيع التركة أو جزء منها من الوارث إلى أجنبي يحمل غرراً وجهالة فاحشة لا يتسامح فيها فالشأن أن الأجنبي لا يعرف عناصر التركة أو مفرداتها ولا قيمة كل عنصر فيها ولذلك يحمل البيع خطر فوات قدر كبير من البيع أو فوات قيمته - والحال كذلك إذا كان الوارث قد بادر ببيع نصيبه من التركة أو باعها كلها دون أن يعرف مشتملاتها وقد يدعوه إلى ذلك التسرع في الحصول على المال ويكتشف بعد البيع أنه كان خاسراً وأن المشتري فاز بتركة كبيرة نظير مال قليل - والواقع أن هذا البيع - بما نصت عليه المادة من أن ضمان البائع لا يتعدى ثبوت وراثته فحسب لا وجه لإجازته شرعاً لأنه يحمل غرراً ظاهراً وجهالة فاحشة ولا مصلحة تدعو إليه بل تدعو المصلحة إلى تحريمه - ولذلك نص التعديل على القاعدة العامة في عدم جواز بيع التركة ألا بعد تفصيل مشتملاتها وبذلك يرتفع حكم الجهالة والغرر إذا كان البيع لأجنبي، أما إذا كان البيع بين الورثة بطريق التخارج فإن الجهالة أو الغرر قد ينعدم كلاهما أو يكون على الأقل يسيراً إذ الورثة في الغالب يعرفون مشتملات تركة مورثهم وقيمة عناصرها بحكم الخلافة عنه وبذلك يكون تخارج أحدهم عن نصيبه بمال يدفع إليه من باقي الورثة جائزاً وافتراض علم الوارث بمفردات التركة يقوم على أساس سليم كما بينا، وبذلك لا يكون هناك جهالة فاحشة أو غرر كثير - فضلاً عن أن قانون الميراث يعرف التخارج بين الورثة ويغتفر ما قد يقع فيه من غرر يسير أو جهالة قليلة ويصح العقد شرعاً. وبالنسبة للمادتين 539، 540 فقد كانت المادة 539 تنص على الأحكام التي يخضع لها القرض وأنها أحكام البيع إن كان القرض بأجر وأحكام العارية إذا لم يكن بأجر، وهذه التفرقة في الحكم مردها إلى أنه عندما يكون القرض بأجر أو بفائدة يكون عقد معاوضة فتتبع في شأنه قواعد المعاوضات عند استحقاقه - أما إذا كان تبرعاً فتتبع بشأنه أحكام العارية في حالة الاستحقاق. ولما كان القانون رقم 74 لسنة 1972 م قد صدر بتحريم ربا النسيئة في المعاملات المدنية والتجارية بين الأفراد الطبيعيين فقد انتفى أن يكون هناك قرض بأجر في نطاق هذه المعاملات ولا يتصور في نطاق هذه المعاملات أن تطبق أحكام البيع عند استحقاق الشيء، ولذلك نص التعديل على أنه في هذا النطاق تطبق أحكام العارية عند استحقاق القرض - وهي الأحكام التي نصت عليها المادة 637 مدني والتي تنفي الضمان في حالة استحقاق الشيء إلا عند الاتفاق على إلزام المعير بضمان الاستحقاق أو إخفائه سبب الاستحقاق - وقد جرى نص المادة 539 بعد تعديلها بتطبيق أحكام العارية التي أشرنا إليها والتي لا تجعل المقروض مسؤولاً عند استحقاق الشيء موضوع القرض كقاعدة عامة. أما بالنسبة للمادة 540 وكانت تحكم حالة العيوب الخفية في القرض فقد اقتضى إلغاء ربا النسيئة ومنع القرض بفائدة في نطاق المعاملات المدنية والتجارية بين الأفراد الطبيعيين ألا يكون هناك قرض بأجر - وكانت المادة 540 في فقرتها الأولى تنص على الحكم في حالة ما يكون العيب الخفي في قرض بغير أجر - ولذلك جرى التعديل بحذف العبارة الأخيرة (وكان القرض بغير أجر) لعدم الحاجة إليها - وبقى حكم الفقرة الأولى على حاله. وكذلك الشأن في حكم الفقرة الثانية فقد كانت تسوي في الحكم بين القرض بأجر والقرض بغير أجر عند ظهور عيب خفي تعمد المقرض إخفاءه - ولما كان الحكم المنصوص عليه واحداً في الحالتين (عندما يكون القرض بأجر - أو عند تعمد المقرض إخفاء العيب في القرض بغير أجر) فقد جرى التعديل بحذف الاقتراضين - على أساس أن يكون الحكم هو أن يصبح للمقترض طلب إصلاح الشيء أو استبدال شيء سليم بالشيء المعيب إذا تعمد المقرض إخفاء العيب- ويكون ذلك الحكم مستفادا من النص في حالة القرض المجاني ومن باب أولى في حالة القرض بأجر إذا كان ذلك القرض خارج نطاق الحظر الذي فرضه القانون رقم 74 لسنة 1972م بتحريم ربا النسيئة. وفي خصوص المادة 544 فقد كانت تنص على إجازة إنشاء الدخل الدائم - وهو التزام شخص بأن يؤدي إلى شخص آخر وإلى خلفائه من بعده دخلاً - دورياً يكون مبلغاً من النقود أو مقداراً معيناً من أشياء مثيلة أخرى - بعقد معاوضة أو تبرعاً - ولما كان هذا النوع من العقود يحمل غرراً ظاهراً وفاحشاً - إذا كان إنشاؤه بعقد معاوضة فقد تعين تحريم إنشائه بعقد من عقود المعاوضة - أما إنشاؤه تبرعاً فلا شبهة في جوازه لأن الغرر يقبل في التبرعات حتى ولو كان ظاهراً وكثيراً على خلاف حالة إنشاء الدخل الدائم بعقد معاوضة إذ قد يدفع صاحب الحق في الدخل مبلغاً من المال في نظير إنشاء الدخل يكون قليلاً إلى جانب ما يناله هو وخلفاؤه من دخل خلال عشرات السنين - والغالب أن هذا النوع من العقود تقوم به الأشخاص المعنوية لأنه تعهد بدفع الدخل الدائم إلى صاحب الحق فيه وخلفائه من بعده والغالب أن يكون هذا الدخل من الدولة أو الهيئات العامة ونحوها من الأشخاص الطبيعيين الذين يفترض في حياتهم القانونية البقاء والاستمرار ولكن لا مانع من أن ينشئه فرد من الأفراد (يراجع الوسيط في القانون المدني للمرحوم الدكتور السنهوري ج 7). ولما كانت الدولة وهيئاتها العامة تنشئ هذا الدخل إذا أرادت إنشاءه وفق نظم خاصة يراعى فيها مصلحة صاحب الدخل وتتحمل الدولة نصيباً كبيراً من الأعباء في تحقيق دخل دائم لطائفة من أبنائها العاملين بأجهزتها - فإنه لا حاجة تدعو إلى الإبقاء على هذا العقد إذا كان بين أفراد لأنه حينئذ يكون غرراً فاحشاً من غير حاجة تدعو إليه ولم يجر التعامل به بين الأفراد - ولذلك نص المشروع على إلغاء إنشاء العقد معاوضة - وأبقى إنشاؤه تبرعاً - أشبه بالوقف في بعض صوره مما أجازته الشريعة الإسلامية. ورؤي بعد ذلك حذف المواد 545، 546، 547 لأنها كانت تنظم هذا العقد وتشترط شروطاً على المدين في ترتيب الدخل وتنظيم العقد في حالة إفلاسه أو إعساره (كما لو كان شركة من الشركات في حالات الإفلاس أو فرداً في حالة الإعسار) ولما كان التعديل قد حرم إنشاء العقد معاوضة فإنه لا محل لتطبيق هذه الأحكام على المتبرع - إذ القاعدة الشرعية أنه "ما على المحسن من سبيل" ويبقى الدخل الدائم إذا أنشئ تبرعاً خاضعاً لأحكام التبرعات - سواء كان في صورة هبة أو وصية أو وقف. وفي شأن الباب الرابع من كتاب العقود المسماة - وهو باب عقود الغرر - كانت المادة 739/2 تمنع استرداد ما دفع طوعاً لأداء ديون المقامرة والرهان إلا إذا كان من قام بالدفع قاصراً - وقد رؤي إلغاء هذه الفقرة وترك الأمر في استرداد ما دفع بغير حق في حالة المقامرة أو الرهان للقواعد العامة - وجدير بالذكر أنه قد يمتنع استرداد ما دفع في دين المقامرة بالذات من الناحية العملية لأنه لا يجوز أن تستند المطالبة إلى سبب مخالف للآداب ولكن إلغاء النص يحقق فائدة أخرى إذ يجوز المطالبة بالاسترداد في بعض الحالات إذا لم تكن هناك أهلية لمن دفع أو كان موضوع الرهان لا يخالف النظام العام أو الآداب - ويكون الحكم بعد إلغاء الفقرة الثانية هو تطبيق القواعد العامة في هذا الشأن. وقد كانت المادة 740 في فقرتيها تستثني الرهان المتعلق بالألعاب الرياضية حتى بين الأشخاص غير المتبارين وما يرخص فيه من أوراق النصيب، ولهذا فقد رؤي أن يلغى ما كانت تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 740 مدني من استثناء أوراق اليانصيب المرخص بها قانوناً - ومن البديهي أن يكون الترخيص مستحيلاً بعد إلغاء هذا النص، أما الفقرة الأولى فقد عدلت صياغتها بحيث أصبحت حالات الرهان التي نصت عليها مما يجيزه الشرع. وفيما يتعلق بالمرتب مدى الحياة فقد كانت المادة 741/1 تجيز للشخص أن يلتزم بأن يؤدي إلى شخص آخر مرتباً دورياً مدى الحياة بعوض أو بغير عوض وكانت المادة 742 تجعل الالتزام مؤقتاً بمدى حياة الملتزم أو حياة الملتزم له أو شخص آخر - وكانت المادة 744 تجيز أن يشترط الملتزم بالمرتب عدم الحجز عليه (من الغير) إذا كان تبرعاً للملتزم له - وكانت المادة 746 تجيز لمستحق المرتب إذا كان المرتب بعوض أن يطالب الملتزم الذي لم يقم بتنفيذ التزامه بفسخ العقد والتعويض إن كان له محل. وهذه السمات التي حددتها المادتان 741، 742 لعقد المرتب مدى الحياة إذا كان بعوض تحمل سمات الغرر الظاهر الكثير بلا حاجة أو ضرورة تدعو إليه وذلك أن من يدفع إلى رجل قدراً من المال ليرده له مرتباً مدى حياته أو حياة من يدفع إليه المال يقبل على عقد ظاهر الغرر لأنه لا يدري الشخص منهما مقدار ما أعطى ومقدار ما يأخذ عوضاً عنه فالحياة الإنسانية وديعة يستردها خالقها متى شاء والدخول في معاوضة يتحدد قدر العوض بحسب عمر الإنسان هو غرر ظاهر فقد يأخذ الشخص الملتزم بالمرتب مبلغاً كبيراً من المال ثم تكون النتيجة أن يدفع لصاحب الحق في المرتب مرتب سنة واحدة أو حتى شهر واحد وفي ذلك من الغرر ما هو ظاهر وفاحش. ومن الجدير بالذكر أن المادة 741 لم تكن تقصر هذا العقد إذا كان بعوض على شركات أو أشخاص معنوية تقوم به - بل كان يجوز لكل شخص أن يتعاقد عليه - مع أن الحاجة لا تدعو إليه كما هو مشاهد بين الناس الذين يدفعون أموالهم لشركات التأمين مثلاً ثقة فيها واطمئناناً إليها - ولا يقامرون بالتعامل في هذا العقد مع الأشخاص وقد يتوقف دفع المرتب على حياة الملتزم أو شخص آخر - فلا يدفع شيئاً إن أخذ المال وعاجلته المنية أو عاجلت من يتوقف دفع المرتب على حياته. ولذلك رؤي أن يقتصر هذا العقد على حالة التبرع - والتبرعات يقبل فيها الغرر كأصل مهما كانت نسبته - وهذا التبرع معروف بصورته في الوصية أو الوقف في الفقه الإسلامي في بعض صورهما - ولذلك عدل نص الفقرة الأولى من المادة 741 فاقتصر إنشاء العقد على التبرع فقط - بعقد هبة أو وصية أو غيرهما كما توضح الفقرة الثانية التي بقيت على حالها - وأباح المشروع أن يشترط المتبرع عدم جواز الحجز على المرتب الذي قرره للموهوب له وذلك بتعديل المادة 744 على هذا النحو - كما أجازت المادة 746 للشخص الذي تبرع له الملتزم بالمرتب أن يطالبه بتنفيذ تبرعه إذا لم يقم بالتنفيذ وعدل النص بحيث اقتصر على هذا الحكم إذ أن مطالبة الموهوب له بتسليم الموهوب جائزة عند الإمام مالك - كما أنه لا حق له في أكثر من ذلك كالتعويض مثلاً إذ القاعدة الشرعية أنه ما على المحسن من سبيل وهذا العقد قد عرض له بعض الفقهاء المسلمين كما جاء في المنتفي شرح موطأ مالك في رجل دفع إلى آخر داره على أن يتفق عليه طيلة حياته قال أشهب لا أحب ذلك ولا أفسخه إن وقع وقال أصبغ هو حرام وعند مالك لا يجوز إذا قال على أن ينفق عليه حياته (ج 5 ص41) وقد اتفق الفقهاء المحدثون على أنه عقد باطل محظور (تراجع أبحاث ندوة التشريع الإسلامي التي عقدت في البيضاء في الفترة من 6 إلى 11 مايو 1972 م). وبعد عقد المرتب مدى الحياة تبدأ أحكام عقد التأمين - وهذا العقد كما سبق أن بينا يختلف عن باقي العقود التي وردت تحت باب عقود الغرر في القانون المدني - وذلك لأهميته العملية وجريان التعامل به ورأى بعض المحدثين في جوازه فضلاً عن أن الفقه الإسلامي في عصر المذاهب لم يتعرض له لأنه عقد مستحدث - وكل ذلك يجعله جديراً بإفراده بالبحث وإشراك علماء المسلمين فيه وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدم - والعمل جار لإدراكه في وقت قريب إن شاء الله. والله ولي التوفيق اللجنة العليا لمراجعة التشريعات وتعديلها طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية
المادة () : باسم الشعب، مجلس قيادة الثورة، نزولا على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء واستجابة لرغبة الشعب العربي المسلم في الجمهورية العربية الليبية، وتأكيدا لما تقضي به المادة السادسة من دستور اتحاد الجمهوريات العربية، وبعد الاطلاع على الإعلان الدستوري الصادر في 2 شوال 1389هـ الموافق 11 ديسمبر 1969م، وعلى قرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 9 رمضان 1391هـ الموافق 28 أكتوبر 1971م بتشكيل لجان المراجعة التشريعات وتعديلها بما يتفق مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية، وعلى القانون المدني الصادر في 21 ربيع الأول 1373هـ الموافق 28 نوفمبر 1953م والقوانين المعدلة له، وعلى القانون رقم 74 لسنة 1972م الصادر بتاريخ 27 ربيع الآخر 1392هـ الموافق 9 يونيه 1972م بتحريم ربا النسيئة في المعاملات المدنية والتجارية بين الأفراد الطبيعيين، وعلى ما انتهت إليه اللجنة العليا لمراجعة التشريعات وفقا لقرار مجلس قيادة الثورة الصادر في 9 رمضان 1391هـ الموافق 28 أكتوبر 1971م المشار إليه، وبناء على ما عرضه رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس مجلس الوزراء، أصدر قراره بالقانون الآتي
المادة (1) : يستبدل بنصوص المواد 361، 362، 363، 364، 365، 366، 372، 458/1، 462، 539، 540، 544، 740/1، 741/1، 746 من القانون المدني - النصوص الآتية: مادة (361) التقادم العام تتقادم دعوى المطالبة بالالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون وفيما عدا الاستثناءات التالية: مادة (362) التقادم بمضي خمس سنوات 1- تتقادم بخمس سنوات الدعاوى بكل حق دوري متجدد ولو أقر به المدين كأجرة المباني والأراضي الزراعية ومقابل الحكر والإيرادات المرتبة والأجور والمعاشات. 2- ولا تسقط دعوى الريع المستحق في ذمة الحائز سيء النية ولا دعوى الريع الواجب على متولي الوقف أداؤه للمستحقين إلا بانقضاء خمس عشر سنة. مادة (363) أحوال خاصة بالتقادم تتقادم بخمس سنوات الدعاوى بحقوق الأطباء والصيادلة والمحامين والمهندسين والخبراء ومأموري التفليسة والسماسرة والأساتذة والمعلمين على أن تكون هذه الحقوق واجبة لهم جزاء عما أدوه من عمل من أعمال مهنتهم وما تكبدوه من مصروفات. مادة (364) التقادم بثلاث سنوات 1- تتقادم بثلاث سنوات دعاوى الضرائب والرسوم المستحقة للدولة، ويبدأ سريان التقادم في الضرائب والرسوم السنوية من نهاية السنة التي تستحق عنها، وفي الرسوم المستحقة عن الأوراق القضائية من تاريخ انتهاء المرافعة في الدعوى التي حررت في شأنها هذه الأوراق أو من تاريخ تحريرها إذا لم تحصل مرافعة. 2- وتتقادم بثلاث سنوات أيضا دعاوى المطالبة برد الضرائب والرسوم التي دفعت بغير حق. ويبدأ سريان التقادم من يوم دفعها. 3- ولا تخل الأحكام السابقة بأحكام النصوص الواردة في القوانين الخاصة. مادة (365) التقادم بسنة تتقادم بسنة واحدة الدعاوى بالحقوق الآتية: أ) حقوق التجار والصناع عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون في هذه الأشياء وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم. ب) حقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية ومن ثمن ما قاموا به من توريدات ويجب على من يتمسك بأن الدعوى بالحق قد تقادمت بسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلا وهذه اليمين يوجهها القاضي من تلقاء نفسه وتوجه إلى ورثة المدين أو أوصيائهم إن كانوا قصرا بأنهم لا يعلمون بوجود الدين أو يعلمون بحصول الوفاء. مادة (366) مدى سريان التقادم في أحوال خاصة. 1- يبدأ سريان التقادم في دعاوى الحقوق المذكورة في المادتين 363، 365 من الوقت الذي يتم فيه الدائنون تقدماتهم ولو استمروا يقدمون تقدمات أخرى. 2- وإذا حرر سند بحق من هذه الحقوق فلا تتقادم الدعوى به إلا بانقضاء خمس عشرة سنة. مادة (372) آثار الانقطاع 1- إذا انقطع التقادم بدأ تقادم جديد يسري من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الانقطاع وتكون مدته هي مدة التقادم الأول. 2- وإذا كانت الدعوى بالدين مما يتقادم بسنة واحدة وانقطع تقادمها بإقرار المدين كانت مدة التقادم الجديد للدعوى خمس عشرة سنة. 3- على أنه إذا حكم بالدين وحاز الحكم قوة الأمر المقضي فلا يجوز التنفيذ به بعد مضي خمس عشرة سنة إلا أن يكون الدين المحكوم به متضمنا لالتزامات دورية متجددة لا تستحق الأداء إلا بعد صدور الحكم. مادة (373) آثار التقادم 1- يترتب على التقادم عدم سماع الدعوى بالالتزام، ومع ذلك يبقى الالتزام في ذمة المدين ديانة. 2- وإذا سقطت بالتقادم الدعوى بالحق سرى ذلك على ملحقاته ولو لم تكتمل مدة التقادم الخاصة بهذه الملحقات. مادة (458/1) عدم جواز بيع الحقوق المتنازع عليها. 1- لا يجوز بيع الحقوق المتنازع عليها. مادة (462) بيع التركة لا يجوز بيع التركة إلا بعد تفصيل مشتملاتها أو بالتخارج بين الورثة. مادة (539) الأحكام التي يخضع لها القرض فيما يتعلق بالمعاملات المدنية والتجارية بين الأفراد الطبيعيين إذا استحق الشيء سرت أحكام العارية. مادة (540) العيوب الخفية 1- إذا ظهر في الشيء عيب خفي واختار المقرض استبقاء الشيء فلا يلزمه أن يرد إلا قيمة الشيء معيبا. 2- أما إذا كان المقرض قد تعمد إخفاء العيب فيكون للمقترض أن يطلب إما إصلاح العيب وإما استبدال شيء سليم بالشيء المعيب. 3- الدخل الدائم مادة (544) إنشاء الدخل الدائم يجوز أن يتعهد شخص بأن يؤدي على الدوام إلى شخص آخر وإلى خلفائه من بعده دخلا دوريا يكون مبلغا من النقود أو مقدارا معينا من أشياء مثيلة أخرى، ويكون هذا التعهد تبرعا أو بطريق الوصية. مادة (740/1) حالة استثنائية ولا يعد في حكم الرهان المسابقات الرياضية أو الثقافية إذا كانت جائزة الفائز من أحد المتبارين أو كانت مقدمة للفائز تبرعا من غير المتبارين. مادة (741/1) إنشاء المرتب مدى الحياة 1- يجوز للشخص أن يلتزم بأن يؤدي إلى شخص آخر مرتبا دوريا مدى الحياة يغير عوض. مادة (744) عدم جواز الحجز على المرتب. يصح أن يشترط عدم جواز الحجز على المرتب. مادة (746) عدم وفاء المدين إذا لم يقم المدين بالتزامه كان للمستحق أن يطلب تنفيذ العقد.
المادة (2) : تلغى نصوص المواد 545، 546، 547، 739/2، 740 فقرة ثانية من القانون المدني المشار اليه.
المادة (3) : ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به بعد ثلاثين يوما من تاريخ نشره.
نتائج بحث مرتبطة
تقدم إدارة موقع قوانين الشرق إصدارها الجديد من تطبيق الهواتف الذكية ويتميز بمحرك بحث في المعلومات القانونية في كافة الدول العربية، والذي يستخدمه أكثر من 40,000 ممارس قانوني في العالم العربي، يثقون به وبمحتواه وحداثة بياناته المستمرة يومياً على مستوى التشريعات والأحكام القضائية والإتفاقيات الدولية والفتاوى و الدساتير العربية والعالمية و المواعيد والمدد القانونيه ، كل هذه المعلومات معروضة بشكل تحليلي ومترابط .
يمكنك تحميل نسختك الاّن